Translate

السبت، أغسطس 03، 2024

خُبُوُّ وَهْجِ العملِ السياسيِّ وتضاؤُلُ بَرِيقِهِ /إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ

 خُبُوُّ وَهْجِ الْعملِ السياسيِّ وتضَاؤُلُ بَرِيقِهِ /إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ 


فِي الْمراحلِ الأُولَى لتشكُّلِ كيانِ هذه الْبلادِ الطاهرةِ حدثَ ذلكَ الِاسْتِفتاءُ الشهيرُ بِ" نعم " ،أو " لَا " ،وكان تجربةً "سياسيةً قاسيةً " تَخَندَقَ فيهِ خائضوهُ خَلْفَ ذواتِ الأشخاصِ ،ونفوذِ الْقبيلةِ ،

ومنذُ الِاستقلالِ بَدَأتِ الشخصيةُ الْموريتانيةُ التقليديةُ في خوْضِ صراعٍ داخليٍّ بينَ الذاتِ والْموضوعِ ،بينَ الْمِثالِ والْواقعِ ،بينَ الحقيقةِ الشرْعيةِ وإملاءاتِ الظروفِ الجديدةِ ،بين الْإنصاتِ للوازعِ الدينيِّ الْمُتأصِّلِ والِانصِياعِ لِلغرائزِ الْهائجةِ الْمائجةِ ،بينَ عالَمٍ مؤمنٍ زاهدٍ ورِعٍ ودُنْيا مادِّيّةٍ ماجِنةٍ ،

فاختلفَ حالُ الناسِ بِاختلافِ مَآلاتِ صِراعِهمُ الداخليِّ ،

وكانَ مَفْهومًا نفُورُ كثيرٍ من جيلِ إرْهاصاتِ الِاستقلالِ ،وجِيلِ نُشوءِ الدولةِ عن الْمُمارسةِ السياسيةِ التي يُسمِّيها بَعْضُهم " بَلَّتِيكْ " تحْرِيفًا تَنفِيرِيًّا لِاسمِها الْأصليِّ المعروفِ ،رُبَما لِلرِّيبَةِ وعدمِ الِاطْمِئنانِ ،

وعندما ضرَبَ الْجفافُ الْبلادَ في مراحلَ مُختلفةٍ انسَدَّتْ أبوابُ الْمَعاشِ في وجْهِ ساكِنةِ الْبلادِ ،وزادَ مِن تَأْزيمِ الوضعِ الْحالةُ الدوليةُ السُّوأَى ،فلم يَكن مِّن طرِيقٍ إلى الْخلاصِ مِنَ الْجوعِ والْفاقَةِ إلا تَجُّشُّمُ عَناءِ سفَرٍ فِي مَجاهيلِ ما وراءَ نَهْرِ صَنْهاجةَ أو نهْرِ السنغالِ ،وَإلَّا الدخولُ في العملِ السياسيّ إِذْعَانًا ،وإلَّا الِاسْتِسلامُ لِلْمجاعةِ ،

فكانَ الْعملُ السياسيُّ الْوسيلةَ الْمُثْلَى لِأن رَأْسَ مالِهِ الْكلامُ وما يَتألَّفُ مِنْهُ ،وهو رأْسُ مالٍ مَقْدورٌ عليهِ ،سَهْلٌ مَّيْسورٌ ،

ثمّ إنّ الناسَ طوَّروهُ إلى تَصْفِيقٍ ،وبعضٌ منْهم تَطوَّرَ تَصْفيقُهُ إلى صَفاقةٍ ،فهو يَمْدَحُ شخصيتَهُ السياسيةَ بِلا حدودٍ ،لا يُعِيرُ اهتمامًا لمكانتِهِ وكرامتِهِ ومروءتِهِ ودينِهِ ،

ومعَ وُجودِ الْبدائلِ الْمُختلفةِ الْمُتعدِّدةِ التي تُمَكِّنُ مِنَ الْخلاصِ النهائيِّ مِنَ الفاقةِ كالْهجرةِ إلى البلادِ الْمتقدمةِ والبلادِ الْغنيةِ ،وكوَفرةِ الشركاتِ والْمَصانعِ والْخدماتِ والتجاراتِ الْمُختلفةِ وكاستثمارِ " الْفكْرةِ " ، أخذَ الِاهتمامُ بالوظيفةِ والسياسةِ كَمُنقِذَيْنِ لا ثالثَ لهما مِن الجوعِ والْفقرِ يَتَضاءَلُ ويتراجعُ لا لِأنهما غيرُ مُهمّيْنِ وإنما – فقط – لِيَأْخُذا حَجْمَهما الْعادِيَّ والْحقيقِيَّ فِي الذِّهْنِيَّةِ الْعامَّةِ بَعْدَما أَضْفَى عليهما صَخَبُ عمومِ الناسِ الذين لم يَجدوا مِن دونِهما مَوْئِلًا ولا مَلْجَأً جَلابِيبَ لوِ اكْتَسَى مِنْها شعوبُ الْهِندِ والسِّندِ لَوَسِعَتْهُمْ !

ذاتَ مَساءٍ كنتُ في خُروجٍ نادرٍ لضرورةٍ أَمْلتْهُ ،وكُنَّا في بَحْرِ الِانتِخاباتِ الرئاسيةِ ،فلم أُشاهدْ على طولِ الطريقِ إلا صورةً أو صورتيْنِ وموقعيْنِ انتخابييْنِ مُقْفِرَيْنِ !

قُلْتُ في نَفْسِي إن هذا الْوُجُومَ والْعزوفَ اللذيْنِ أَفْقَدَا الْحمْلةَ زَخَمَها وصخَبَها هما نتيجةٌ لِتعادُلِ أهميةِ السياسةِ مع أهميةِ الْبدائلِ المختلفةِ الْمُتاحةِ ،رغْمَ وجودِ مجموعاتٍ لا يُستهانُ بِعددِها ما تزالُ متمسكةً بالعملِ السياسيِّ خاصةً الِانتخابيَّ والْموْسِمِيَّ ،وهم في الْغالِبِ مِنْ هُواةِ الْكَسْبِ مِنْ غَيْرِ كَدٍّ ولا تَعبٍ .

ليست هناك تعليقات:

كلمة في حق الشهيد حَسَن نصرَ الله/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ

 كلمةٌ في حقِّ الشهيد حَسَن نصرَ الله/إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ  رحم الله السيد حسن نصرَ الله فإنّ له مواقفَ هي محلُّ إجماعٍ من كلِّ ...