Translate

الأربعاء، أغسطس 13، 2025

الْغَيْبَةُ تَقليدٌ فَشَا ثم مشى/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ

 "الْغَيْبةُ" تقليدٌ فَشَا ثُمَّ مَشَى/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ 


             أرْغَمَتْ ظروفُ الْحياةِ القاسيَةِ بَلِ الْبالِغَةِ الْقَسْوَةِ - أَثْنَاءَ الْحَرْبِ الْعالميّةِ الثانيَةِ وَمَا بَعْدَها - جَمَاعةً منْ أَهلِ هذِه الربوعِ الْمُباركةِ على أنْ يَّمْشُوا فِي مَنَاكِبِ الْأرْضِ وَيَضْرِبُوا فِيها يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ؛ فَتَفرَّقوا في أَحْضانِ إفريقيا، وألْقَى بَعْضُهم عَصَا السيْرِ في مَعاطِنِ الْعرَبِ فِي شمالِ إفريقيا والخليجِ الْعربيِّ وبلادِ الشامِ والْعراقِ، وبَعْضٌ منهم مَّشَتْ بِهِ قَدَمُهُ لِيَسْتَقِرَّ بِهِ الْقرارُ في بلادِ الْعَجَمِ،

فتَبَلْورتْ ظاهرةُ الْغَيْبةِ تَعْبِيرًا فَضْفاضًا يَشْمَلُ مَعْناهُ كُلَّ تَحرُّكٍ يَغِيبُ صاحبُهُ عَن مَّضارِبِ أَهلِهِ طَلَبًا للرزْقِ أو تَعَرُّضًا لفضْلِ اللهِ، 

واسْتَغَلَّها بَعْضُ السلَفِ لِنَشْرِ الْإسلامِ أو تَثْبِيتِ الْأَهالِي عليهِ، وتَقْدِيمِ النموذجِ الإسلاميِّ حَيًّا مَّعِيشًا عَمَلِيًّا مُّطَبَّقًا من نَّاحيَةِ الأخْلاقِ والْمُعامَلةِ الْحَسنةِ والْبَذْلِ والْعَطاءِ والتَّعْليمِ ومُخالَطَةِ الْعامَّةِ والتَّعامُلِ مَعَهم، وفَضِّ النزَاعاتِ وحتَّى مُساعدتِهمْ على تواصُلِهم مع قِياداتِهم التي كانت تُّحارِبُ الِاستعمارَ، ومنهم من شاركَ في مُنازَلةِ المستعمرِ إلى جانبِ تلكَ الشعوبِ!

وفي هذه الْخيوطِ الْمُشْتبكةِ مِنَ الْعلاقاتِ يَحْصُلُ بعضُ "الْغَيَبِ" على ما كتَبَ اللهُ لهُ مِّن رِّزْقٍ فيرْجعُ بِبَعْضِهِ إلى أهلِ مرابِعِهِ لِتَقْسيمِهِ عليهم، أما الْبعْضُ الآخرُ فإنَّهُ يَبْذُلُهُ إِنفاقًا على مَنْ يَّسْتَضيفونَهُ وهمُ الْمعروفونَ بِ "أَهْلِ التِّبْرِيكَةِ" فكانُوا يَتْرُكونَ عِندهم كلَّ الْهدايَا مِن الْأنْعامِ! 

كانت تِّلْكَ طرِيقةَ وسُنّةَ الْوالدِ رحمةُ اللهِ عليهِ وطريقةَ وسنّةَ إِخوتِهِ رحمهمُ اللهُ جميعا،

 ولَقِيتُ أحدَ الْوُزَرَاءِ الْكبارِ في بعضِ تلك الدولِ فأخبرنِي بِأنهُ كانَ مِمَّن كَفَلَهمُ الوالدُ وأنَّ الْوَالِدَ كان يُسدِّدُ عنهمْ فواتيرَ الماءِ والكهرباءِ، وأنه كان يبعثُ لهم بشاةِ الْعقيقةِ إذا وُلِدَ لهم مولودٌ إبَّانَ وُجودِهِ معهمْ،

وكمْ لَقِيتُ مِن رِّجالِ أعمالٍ وغيرِهم كانوا ممن تولَّى الوالدُ عِبْءَ مَصاريفِ عائِلاتِهم  رحمةً بهم وكانوا لا يَجِدونَ للحياةِ الكريمةِ سَبيلا،

وذاتَ غَيْبةٍ – وهي الغَيْبةُ الوحيدةُ- لِعمِّنَا الشيخ سليمان رحمهُ اللهُ تعالي وهو في الْمسجدِ نَادَى الْمُنادِي جَرْيًا على عادةِ أهلِ تلكَ الْبلادِ مع مَن يفِدُونَ إليهم فقامَ الناسُ كلٌّ يدْفعُ ما تَيسرَ عندهُ مِن مالٍ، فسألَ الشيخ سليمان الإمامَ: مَا هذا؟ فقال له: هذه عادَتُنا مع من يزورُنا مِن المشايخِ، فَالْتَفَتَ الشيخ سليمان رحمه اللهُ تعالى إلى أحَدِ مُرافِقِيهِ آمِرًا إيَّاهُ أنْ يُّعْطِيَ الْإِمامَ جميعَ ما بحوْزَتِهِ من مالِهِ الْخاصِّ وكانَ مَبْلَغًا مُّعْتَبرًا! فقال الإمامُ -والْعجَبُ والِاسْتِغرابُ يَعْتَقِبانِ نَظَرَاتِهِ: ما هذا يا شَيْخَنا؟ قال له الشيخ سليمان رحمه اللهُ تعالى : ضِفْهُ إلى ما أَهداهُ لنا هؤلاءِ واصْرِفْهُ جَمِيعًا في مَصالِحِهم، وخرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ خَاوِيَ الْوِفَاضِ إِلا مِنْ عَمَلٍ صالِحٍ وذِكْرٍ خالِدٍ، فجزاهُ اللهُ في فرادِيسِ جناتِهِ خيرَ جزائِهِ.

ليست هناك تعليقات:

الْغَيْبَةُ تَقليدٌ فَشَا ثم مشى/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ

 "الْغَيْبةُ" تقليدٌ فَشَا ثُمَّ مَشَى/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ               أرْغَمَتْ ظروفُ الْحياةِ القاسيَةِ بَلِ الْ...