بعض ممن نعتبرهم مثقفين قياسا إلى
واقعهم الغاصّ بالجهلة يقولون إن التغيير والبناء والرقي بالأمة لا يعقل أن يحصل
بمجرد كتابات أو مقالات أو نصائح وتوجيهات ،وقد جهلوا أن الله عز وجل أخرج من شاء
من خلقه من الظلمات إلى النور بالقرءان العظيم ( الذي لا يقاس عليه لأنه كلام الله
المعجز بلفظه ومعانيه بل هو معجز مطلقا ،ولكن نتأدب بأدبه ونستشهد بآياته ونتعبد
بالتلفظ بألفاظه ) وهو مكتوب اليوم في
مصاحف شريفة عدد صفحاتها لا يتجاوز في المتوسط العام ستمائة صفحة وفي ذلك توجيه
رباني كريم للاقتصاد في الكتابة والتأليف ،وتنبيه على أن الحقيقة إذا توصل إليها
المرءُ ووضحت له فإن الأوْلى له أن يعبر عنها للمتلقي بما يطابقها من الكلام ويوضحها ماهيةً
وهويةً بلا تطويل ممل أو إيجاز مخل ،
إن المسلم مثقفا أو مفكرا ليس مضطرا بحال
من الأحوال إلى إتعاب أنظار القراء وأذهانهم بالمجلدات أو عشرات المؤلفات حتى يحدث
تغييرا ،بل ليس مضطرا لتلمس النماذج في تطور الأمم الاخرى ،إنه مطالب فقط بمخاطبة
الناس من أجل توعيتهم وتثقيفهم واستنهاض هممهم وحثهم على الأخذ بأسباب الحضارة
،ولن يفتقر في ذلك إلى أي مذهب سياسي أو فكر فلسفي أو ثقافة أجنبية ،فحسبه القرءان
الكريم مستعينا على الاستهداء به بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وما بين يديه من
تراث الأمة الفقهي والعلمي والأدبي ،فَلْيُعَلِّمِ الناسَ بالنصيحة التي هي كلمات
وعبارات تصاغ في جمل قليلة الألفاظ مباركة المعاني والمقاصد ،عن تميم بن أوس رضي
الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الدِّينُ النَّصِيحَةُ ،قلنا
لِمَن يا رسولَ اللهِ ؟قال : للهِ ولرسولِهِ ولأئمَّةِ المسلمين وعامَّتِهِمْ ."
رواه البخاري ومسلم .
ـــــــــــــــ
من كتابات إبراهيم بن موسى بن الشيخ سيديا