مُحدِّدَاتُ الِانتِصارِ علَى الْعدُوِّ/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ
مَا نَعْتَقِدُهُ هَزِيمةً نهائِيَّةً هوَ فِي حَقيقتِهِ هزيمةٌ وَهْمِيَّةٌ، ومَا نَعْتقِدُهُ تَفَوُّقًا تكنولوجيًّا للعدوِّ هو في حقيقتِهِ مُجرَّدُ اعْتِقادٍ فَاسِدٍ جعَلَنا نُضْفِي على ذَاتِ السِّلاحِ المُتَطَوِّرِ الذي يَمْتلِكُهُ الْعدوُّ صِفةَ الشخصِ الْفَاعِلِ لا صِفةَ الْآلةِ التي يتحكّمُ فيها مُسْتخْدِمُها الْمُعرَّضُ لِجميعِ الْعوارضِ الْبَشَرِيّةِ مِن جُبْنٍ وسَهْوٍ وغلطٍ وغلَتٍ ونوْمٍ وشُرودٍ..
إنَّ أهَمَّ عوَامِلِ النَّصْرِ على الْعدُوِّ هو:
1- الْهُجومُ دِفَاعًا عنِ الْحِمَى، فإنَّ الْأعداءَ إِذَا اعْتَادُوا مِنَ الْمُسلمينَ أنهم كلَّما أعدُّوا الْعُدَّةَ هَاجموهمْ وحارَبُوهم تَرَدَّدوا في الْإعدادِ أَصْلًا لحَرْبِ الْمُسلمين؛ قال تعالى:
"يَأيُّها الذِينَ ءامَنُوا قَاتِلُوا الذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"،
2- النَّفْرَةُ الْعَامَّةُ والْفَوْرِيَّةُ: وهي تَجْعلُ الْعدوَّ إذا اقْتحمَ بلدًا من بلادِ المُسلمين يَتَلَقَّى الضرَباتِ الْمُوجعةَ مِن ْعامّةِ أهْلِ الْبلدِ الذينَ يُقاتِلونَ أجمعينَ وإنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْجماعةِ، قال تَعالَى:
" انفِرُوا خِفَافًا وثِقالًا"،
وقال تعالى:
" وقاتِلُوا الْمُشرِكِينَ كافَّةً كمَا يُقاتِلونَكمْ كَافّةً"،
فإذا حدثَ ذلك تَزَلْزَلَتْ مَوَاطِئُ الْعدُوِّ، وتشتَّتَ تَرْكيزُهُ، فلا يكونُ أمامَهُ إِلَّا الْهروبُ كَسيرًا حَسيرًا،
3- مُلَاحَقةُ مُثَبِّطِي الْهِمَمِ الذِينَ يُذِيعونَ الْخوْفَ مِنَ الْعَدُوِّ، فالْخوْفُ هو الِانْهِزَامُ الْقاتِلُ،
4- الرَّدُّ الْفَوْرِيُّ على الْعدوِّ فَإنَّ كلَّ رَدٍّ فِعْلِيٍّ لَهُ شَأنٌ عَظيمٌ، ويُعْتَبَرُ فارِقًا كبيرًا، ولهُ تَأْثيرٌ مُّدَمِّرٌ على الْعدُوِّ، قال تعالى:
" فَمَنِ اعْتَدَى عليكمْ فَاعْتَدُوا عليهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عليكم"
5- الْمُبادَرَةُ والاِسْتِعدادُ في كلِّ الظروفِ:
ولقدْ هَيَّأَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ مَوْلانَا محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ جَيشَ أُسامةَ وهوَ يُوشِكُ أنْ يَّلْحَقَ بالرَّفِيقِ الْأَعْلَى عليهِ الصلاةُ والسلامُ، وكانتِ الْحكمةُ جَلِيَّةً واضِحةً وهيَ ألَّا يَشْغَلَ الْحُزْنُ على فراقِ سيدِ المرسلينَ صلى الله عليه وسلمَ المسلمينَ عنْ عَدُوِّهمُ الذي يَترَبَّصُ بِهم، وأنْ يَّكونَ المُسلمونَ أَصْحابَ الْمُبادَرةِ، فصاحبُ الْمُبادرةِ مُنتصِرٌ أو يَكادُ، قال الشيخ سيد محمد بْنُ الشيخ سِيدِيَ الكبير رحمهما اللهُ تعالى في إحدى قصائدِهِ:
فإِن بَادَرْتُمُوهُ تُدَارِكُوهُ:: وإلَّا يَسْبِقِ السَّيْفُ الْبِدَارَا
إن الْقرْءانَ الْكريمَ فيهِ لِكلِّ مُتَدَبِّرٍ عارِفٍ بعلومِهِ وتَفْسيرِهِ خلاصُنا الْعاجلُ مِنْ هذِهِ الْمَهانةِ التِي أَقَمْنَا أنفُسَنا فِيها منذُ سقوطِ الْخلافةِ الإسلاميةِ،
ولقدْ أنْهَى الْغرْبُ استعمارَهُ الْمُباشرَ لِلْأرضِ، ولكنَّهُ اسْتَعْمرَ الْعقولَ والأذْهانَ والْخواطرَ والأفكارَ والْعواطفَ والمشاعِرَ والأذواقَ، فربطَ مَصيرَنَا بِازْدِهارهِ صِناعِيًّا واقْتِصادِيًّا وعسكريًّا، وترَكَنَا نَرَى ذواتِنا فيهِ، إلى أن صِرْنَا لا نَختلفُ عنْهُ إلا كَمَا يخْتلِفُ الظِّلُّ عن صاحِبِهِ،
وللتذْكيرِ فإنني كنتُ وضَّحْتُ في تدْوينةٍ سابقةٍ أنَّ كلمةَ الِاستعمارِ مِنَ الْعِباراتِ العربيةِ التي تُطلَقُ ويُرَادُ بِها ضِدُّها كَالسَّليمِ الذي يُرادُ بِهِ اللديغُ، والْيَدُ الْيُسْرَى بَدَلَ الْيَدِ الْعُسْرَى، فالِاستعمارُ هو الِاسْتِخْرابُ بِهذا الْمَعنَى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق