الإخوانيات باب من أبواب الشعر العربي الراقي يعكس مدى تعمق (الثقافة الجماعية) في عناصر المجتمع ومدى تبادل فعل التأثر والتأثير فيما بين تلك العناصر ،ويستغل العلماء هذا المجال لنقل صورتهم الحقيقية إلى شريحة طلاب العلم حرصا منهم على شحذ هممهم وإبقاء معنوياتهم مرتفعة في مواجهة مغريات الحياة ومنغصاتها ،موضحين لهم أن المثابرة سر النجاح ،وأن حلاوة ثمرة صبرهم ستنسيهم مرارة الجَلَد والتحمل ،ومقدمين لهم نماذج عملية وأمثلة واقعية ،ويحضرني في هذا المجال جواب الشيخ سيدِيَّ باب بن الشيخ سِيدِ محمد بن الشيخ سِيدِيَّ الكبير للعلامة محنض الفغ الديماني رحمهم الله جميعا ،وكان قد أرسل إليه بقصيدة رائعة بديعة ضمَّنها طلب الإذن للعودة إلى أهله ،فقال الشيخ سِيدِيَّ بَابَ :
ــــــــــــــــــ
تقديم:إبراهيم بن موسى
نَسْتَوْدِعُ اللهَ إِلْفًا نَاوِيًا ظَعَنَا.....كَانَتْ تَطِيبُ بِهِ أَوْقَاتُنَا زَمَنَا
كَانَتْ خَلَائِقُهُ صَفْوًا بِلَا كَدَرٍ.....عَلَى الْخَلِيطِ مِنَ الْأَقْصينَ وَالْقُرَنَا
كَأَنَّهَا نَسَمَاتُ الرَّوْضِ بَاكَرَهَا.....مَرُّ الْجَنُوبِ تُزَجِّي عَارِضًا هَتِنَا
لَا يَعْتَرِي طَبْعَهُ شَيْءٌ يُدَنِّسُهُ.......سِيَّانِ أَحْسَنَ مَنْ يَعْرُوهُ أَوْ خَشُنَا
سَمْحُ الْجِوَارِ فَلَا يُؤْذِي لِصَاحِبِهِ......عَيْنًا بِسُوءٍ وَلَا يُؤْذِي لَهُ أُذُنَا
طَابَتْ أَرُومَتُهُ قِدْمًا وَمَحْتِدُهُ.......فَطَابَ مَا كَانَ سِرًّا مِنْهُ أَوْعَلَنَا
لَا يُنكِرُ السَّامِرُ الْأَخْيَارُ حضْرَتَهُ......فِيهِمْ إِذَا ذَكَرُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَا
أَوْ بَاحَثُوا فِي صَحِيحِ الْفِقْهِ فَالْتَمَسُوا......حُكْمَ الْمَرَاجِيعِ وَالْإِيدَاعِ وَالْأُمَنَا
أَوْ فِي مَذَاهِبِ أَهْلِ النَّحْوِ كَانَ لَهُمْ......بَحْثٌ وَمَنْ وَافَقَ الْإِعْرَابَ أَوْ لَحَنَا
وَالْعَدْلَ فِي عُمَرٍ فِيهِ وَفِي سَحَرٍ.....وَالْوَزْنَ فِي يَرْفَإٍ فِيهِ وَفِي يَزِنَا
أَوْ بَيَّنُوا فِي عَرُوضِ الشِّعْرِ مُنكَسِرًا......مِنْهُ وَمَا وَافَقَ الْمِيزَانَ فَاتَّزَنَا
وَالْجَمْعَ وَالْفَرْقَ فِيمَا كَانَ مِنْ وَتِدٍ.......وَمَا طَوَوْهُ مِنَ الْأَسْبَابِ أَوْ خُبِنَا
أَوْ حَدَّثُوا عَن بَنِي سَاسَانَ أَوْذَكَرُوا ......مَن كَانَ يَمْلِكُ أَرْضَ الشَّامِ وَالْيَمَنَا
وَالْهَاشِمِيِّينَ أَهْلَ الْمُلْكِ إِن ذَكَرُوا......مِنْهُمْ أَمِينًا وَمَأْمُونًا وَمُؤْتَمَنَا
حَلَّى الْقَرَاطِيسَ بِالْخَطِّ الذِي رَسَمَتْ......يُمْنَاهُ فِيهِنَّ حَلْيًا رَائِقًا حَسَنَا
كَأَنَّهُ الرَّوْضُ مَطْلُولًا أَزَاهِرُهُ.......أَوِ الْمَطَارِفُ مِن صَنْعَاءَ أَوْ عَدَنَا
مَا زَالَ لِلْعِلْمِ وَالْآدَابِ مُتَّبِعًا......لَمْ يَتْبَعِ اللَّهْوَ فِي اللَّاهِينَ وَالدَّدَنَا
فَبَارَكَ اللهُ فِي أَحْوَالِهِ وَنَفَى.....عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَالْأَسْوَاءَ وَالْمِحَنَا
بَلْ فِي مُفَارَقَةِ الْأَحْبَابِ شَائِبَةٌ.......مِن فُرْقَةِ الرُّوحِ مَهْمَا تُسْلَبِ الْبَدَنَا
لَوْلَا الذِي كَانَ مِنْ حَقٍّ لِوَالِدَةٍ......قَدْ جَاءَ فِي الذِّكْرِ بِالتَّوْحِيدِ مُقْتَرِنَا
فَالْحَالُ تُنشِدُ مِنَّا فِي تَرَحُّلِهِ.......حَيَّا الْإِلَهُ زَمَانًا كَانَ يَجْمَعُنَا.
ــــــــــــــــــ
تقديم:إبراهيم بن موسى