من الكُتاب من يقف عند الحدث ولا يكلف نفسه التطرق إلى ما بين يديه وما خلفه ويبرر موقفه بخشيته من أن يروج لنظرية المؤامرة عن غير قصد وغاب عن فكره أن البحث عن أسباب الأحداث ومعرفة من وراءها ومن المستفيد منها أمر غاية في الأهمية بالنسبة لمستقبل كل أمة مستهدفة والحرب على الإرهاب أفضل مثال على ذلكو كثيرا ما استوقفتني هذه البهرجة الدعائية المسماة بالحرب على الإرهاب وأتساءل :ماذا يريد الغرب من ورائها ؟هل الغرب الذي خرج من حروب مدمرة عديدة واستعمر البلاد وسيَّر العالم حسب مخططاته بحاجة إلى أن يولي كل هذا الاهتمام للإرهاب الذي لا يتعدى المتهمون به ـ حسب أكثر التقديرات مبالغة وتضخيما ـ بضعة آلاف لا يقدرون على استنشاق الهواء النقي في عقر دارهم إلا بالحيلة من شدة ملاحقة حكوماتهم لهم ؟!ربما يهيئ الغرب ـ منذ مدة ـ لأمور تمس مباشرة مستقبل البشرية على كوكب الأرض وربما عثر على كواكب شبيهة بالأرض فهو بحاجة إلى أن يتفرغ لمعرفة كيفية الاستفادة منها بينما يشغل غيره من سكان المعمورة المتخلفين ـ لعقود قادمة ـ بأمور مثل: محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة و(حقوق الإنسان) و(حوار الحضارات)...وربما اكتشف أمورا أخرى قد تغير طبيعة المعارف والإدراك والمُسَلَّمات ولا بد له من أن يُلم بها بعيدا عن فضول متثاقفي الشعوب الأخرى وربما أدرك حجم الدمار الذي ألحقته بالبيئة مصانعُه وتجاربُه النووية وما يتسرب من مفاعلاته من إشعاعات ونفاياتُه النووية التي يدفنها في صحاري البلدان المستضعفة ومياهها الإقليمية وربما أثمرت تجربته الخطيرة المعروفة بمحاكاة الانفجار الكوني العظيم نتائج كارثية ليس بمقدوره تحمل مضاعفاتها وربما أحس بأنه فقد زمام المبادرة والقدرة على السيطرة والتحكم بسبب انتشار الأمراض الوبائية الفتاكة الناتجة عن تدخله في تعديل الجينات الوراثية للإنسان والحيوان والنبات وربما يمهد لمواجهة غير تقليدية وغير معهودة بينه وبين الدول التي قاربت أن تكون ندا مساويا له كالصين مثلا ...
إن بعض هذه الأحداث العظيمة ـ على الرغم من حدوثها بعد مرور سنوات على إعلان الحرب على الإرهاب ـ لا يمكن استبعاد مقدرتها على إضرام نيران هذه الحرب كلما أشرفت على الانطفاء ،ويخطئ خطأ فادحا أولئك الذين يعتقدون أن هدف الغرب من وراء كل هذه الأزمات إنما هو السيطرة على مصادر الطاقة ولإثبات خطئهم يكفي أن يدركوا أن الدول التي تمتلك تلك المصادر لم تخرج قط بسياستها واقتصادها وأمنها ومصيرها من سيطرة الغرب ولا من دائرة نفوذه ،وفي كل الأحوال فالغرب ماض في أسلوبه المعهود الذي يلجأ إليه عندما يبدأ مغامرة يوقن باستحالة التنبؤ بعواقبها أو عندما يخرج من أخرى يستحيل عليه تحمل تبعاتها ،فيُحدث فوضى عالمية عارمة لا يقدر معها باقي سكان المعمورة على متابعته أو محاسبته ،وأجزم يقينا بأن وراء الأكمة ما وراءها وبأن استغلال بعض التصرفات الطائشة ممن يوصفون بالإرهابيين (ملهاة غربية) نجح بواسطتها في إراحة الشعوب المستعمرة من عناء التنمية والبناء ولفَتَ أنظارَ قادتها عن الأمور المصيرية إلى أمور جانبية مذلة حيث استطاع ربط مساعداته لهم بتوقيع برلماناتهم على ما يحلو له من قوانين تجعل يده حرة طليقة قادرة على أن تصل إلى أي مواطن مهما كان موقعه وإلى غرفة نوم القائد عند ما يريد ذلك وبهذا حَوَّل كثيرا من قادة العالم إلى مجرد حرس لأمنه المزعوم
تلك هي صورة واقع الشعوب الضعيفة في أيامنا هذه وقد مضى حوالي نصف قرن على (استقلال) غالبية دولها !! فهل يعني ذلك أننا سنكافح قرنا آخر حتى نتخلص مرة ثانية من الاستعمار؟وكم من قرن سنحتاج لكي نبني من القوة الذاتية ما نضمن به عدم العودة إلى الوراء كدول مستعمرة ؟وماذا بوسعنا أن نفعل لمواجهة ثلاث معارك في آن واحد :معركة التحرر ومعركة التعلم ومعركة التمكن من دون أن نضحي بحياة أحد أيا كان ومن دون أن نعبث بمستقبل أحد ومن دون أن نؤلب المتربصين بنا ؟ ويؤسفني أن الذين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم هم السواد الأعظم بل إن الذين يحسون بهول واقعنا ويتلمسون طوق النجاة شعرة بيضاء في جلد ثور أسود ،لا يُسمع لهم صوت ولا يؤمن بهم أحد ،بل لا يعرف بعضهم بعضا ، وربما تساءل أحدهم عن جدوى إثارة هذه البلوى إذا كان الناس صما وبكما وعميا؟.
ــــــــــــــ
من كتابات إبراهيم بن موسى