Translate

الثلاثاء، نوفمبر 06، 2018

الشيخ سِيدِيَّ بَابَ ملاحظات وانطباعات

   أراني مُقَصِّرًا إن لَّم أُدْلِ بدَلْوِي في ما يُكتَب عن الشيخ سِيدِيَّ بَابَ رحمه الله تعالى وجزاه عنا خيرا كثيرا ،وكم كنت مترددا خاصة عندما أتذكر أن الكتابة عن أي شخص أو الترجمةَ عنه تمثل تجرُّؤًا على خصوصياته ،وتقحُّما على ذاتيَّتِه ،وادِّعاءً لمعرفة ما كان يجول في ضميره ،وفي ذلك رجْمٌ بالغيب ،وإثم كبير ،ما لم يسبق من الله كريمُ توفيق وعناية ،
وستبقى ملاحظاتي هذه تصوراتٍ وانطباعاتٍ ،أرجو أن توافق الحقيقة :
الملاحظة الأولى
فقد عاش جدي والدُ أبي ( الشيخ سيدِيَّ بابَ ) مرحلة زمنية كان لزاما عليه أن يقوم فيها مقام المؤسِّس نظرا لتلاحق أحداث جليلة وخطيرة منذ أن توفي والده الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيدِيَّ الكبير  رحمهما الله تعالى ،وهو لم يتعدَّ الثامنة من العمر إلى تسلمه الفعلي عند أول بلوغه لمقاليد الحكم من تلامذة أبيه وجده الذين تلقى منهم ما تلقوه من علوم وفهوم وتربية ،وقد ادخر الله عز وجل له من العقل والحكمة والفهم والقبول ،ويسَّر له المطالعة والبحث والدراسة المتواصلة في عمقها وتنوعها وشمولها ،وذلَّل له الصعاب ، وأخضع له الرقاب ،في بلاد لها طبيعتُها الخاصة جدا ، حيث تتغير فيها القناعاتُ وتتبدل المواقف بسهولة ،ويتمتع فيها العلماء والفقهاء وأصحاب الكلمة بمرونة بالغة ،تكاد تكون فريدة وغير مألوفة في ما اطلعت عليه من أخبار الأمم والملوك ،ويزدهر فيها العلم والأدب في بداوة عالمة ،وحياة نشطة ،وارتجالية محكمة ،
الملاحظة الثانية :
ورث الشيخ سيدِيَّ بَابَ عن أبيه وجده الاهتمامَ البالغ بالشأن العام ،والمحبةَ والقبولَ من الخاصة والعامة ،كما ورث عنهما طموحهما لبناء دولة إسلامية عظيمة ،مؤسَّسة على التقوى من أول يوم ،قائمة على الرفق والحنان ،معظمة للإنسان وكرامته ، والحياة ومراد الله عز وجل منها ،وقد وضحت حدود هذه الدولة من خلال عقد جده الشيخ سيدِيَّ الكبير لمؤتمر تندوجة الشهير ،ومراسلاته لمريديه ومُبايِعيه من الأمراء والعلماء وأصحاب الكلمة في الجهات المختلفة آمرا وناهيا وموجها ومرشدا ( وهي مراسلات موجودة ومتداولة ،وأعدت عنها رسائل جامعية عديدة ) ،
الملاحظة الثالثة :
تبلورت قيمة الأمن والعافية عند الشيخ سيدِيَّ بَابَ بوضوح أكبَرَ إثر تعاظم الخطر الداخلي الذي عبر عنه هو شخصيا بالسيبة ،والخطر الخارجي ممثلا في الاستعمار الفرنسي والإسباني والإنجليزي ،إضافة إلى تزايد رغبة سلاطين المغرب ومبايعيهم في الاستحواذ على هذه البلاد  ،كما كانت هنالك رغبة جامحة عند بعض الطرق الصوفية الإفريقية للإطباق وإحكام السيطرة على هذه البلاد كذلك ،وسقط في فتنة استغلال الدين طائفةٌ من الأكابر والأمراء والعلماء ،نسأل الله لنا ولهم المغفرة والرحمة ،
الملاحظة الرابعة :
أدرك الشيخ سيدِيَّ بَابَ أن الوسيلة الممكنة لتأسيس دولة آمنة ذات إرادة حرة لن تكون بالضرورة هي الوسيلةَ التي اعتمدها سلفُه ،فقد تغير الواقعُ ،وجدت مُستَجدَّاتٌ،وحدثت أحداث وأي أحداث ،واشرأبّت أعناق بعض الأكابر لكرسي الحكم ،كلٌّ بحسب نيته ،وتَواصلَ في سبيل ذلك معظمُ الأمراء والعلماء ومسموعي الكلمة مع القوى الخارجية من فرنسية ومغربية وإسبانية وعثمانية ،وقد ظهر بعض ذلك التواصل للعلن في صورة رسائلَ متبادلةٍ بين تلك الجهات المختلفة موثقةٍ في إرشيف تلك الدول ومتاحةٍ للمعنيين والمهتمين ،وفي بعض تلك الرسائل يَظهرُ كُتابُها وكأنهم مستعدون للتضحية بكل شيء إذا وَثق بهم مَن وجهوا لهم تلك الرسائل ،وضمنوا لهم زعامة هذه البلاد ،
الملاحظة الخامسة :
بقي الشيخ سيديَّ باب رحمه الله تعالى متشبثا بروح الجهاد مثل سلفه إلى آخر لحظة من حياته ،وغيرَ مسترسل في العلاقات الوقتية التي كانت بينه وبين الفرنسيين إلا بقدر ما يُخَلِّصُ به مُعْتقلا ، أو يكفُّ عن أمته خطرا ،أو يجمعُ شملا متفرقا أشتاتا ،أو يأمنُ على ألا يعرقلوا النهضة العلمية النقية التي اعتبرها الحصن الحقيقي لأمته ،وسفينة نجاتها الآمنة ،ولم يقبل منهم ( إكرامية ) ولا تكريما حتى لقي ربه ،هكذا أخبرني من لا أتَّهمُ ،
الملاحظة السادسة:
بلغ الشيخ سيدِيَّ بابَ رحمه الله تعالى من الولاية والقرب من الله عز وجل والتوفيق لطاعته والإقبال عليه وتحري مرضاته عز وجل ورجاء ثوابه في الآخرة وغير ذلك من صفات الكمال مَا عَزَّ نظيرُه ونَدرَ ،ومن عجائب ما أقْدَرَهُ الله عز وجل عليه من الكرامات أن مَلَّكه القدرةَ على الحَدِّ من كرامات غيرِه نُصْحًا له ، ومن هذا الباب ما بلغني أنه عندما علم بأن ابنَه شيخَ الأولياء الشيخ يعقوب رحمه الله تعالى كان يجعل أصبعه في فم رشإ عثر عليه وقد ماتتْ أمُّه فيُجْرِي اللهُ للرشإ من اللبن ما يُرويه ،ناداه وقال له أرني أصبعك فأمَرَّ عليها مِسْواكَه ،وتركه يمضي إلى سبيله ،ولما عاد الشيخ يعقوب رحمه الله تعالى لإطعام الرشإ لم يُجْرِ اللهُ اللبنَ من أصبعه كما كان من قبل ،وقد قص الشيخ يعقوب نفسُه هذه الواقعة ،وحكاها لي غيرُ واحد ممن لا أتهمُ ،فهذا المقامُ مما قلَّ أن يناله إلا مُفْرِدٌ أُدْنِيَ ،أو فانٍ يَغْشَاهُ مِن الله ما يَغْشَى .
الملاحظة السابعة:
ليس من الإنصاف ،ولا الاتصافِ بجميل الأوصاف ،أن ننظر بنفس المستوى من الاعتبار إلى الناس على اختلاف مشاربهم ومضاربهم ،وتخالف مصادرهم ومواردهم ،وأن نحكم على الأشياء بذات الأحكام رغم تغاير الوقائع ،من حيث الملابساتُ والحيثياتُ والدوافع ،فمن طرح نفسه مطرح غيره فسيتبين له عُجَرُهُ وبُجَرُه ،وهل أفرط أو فرَّطَ ،واستحق حينها أن يناقشه أولو الألباب ،في القشور والألباب ،مُكِنِّين له غاية الاحترام ،والتوقير والإكرام ،وإن لم يفعل ،أُهمِلَ إذ أَهْمَل ،ولَم يستحقَّ عمَلُه النظر ،ولَم يَعْبَأْ به بشر ،لذلك وغيرِه تباعدتُّ عن الرد ،عن قصد ،على من انتقدوا الشيخ سيدِيَّ بَابَ ولَم يُحِيطُوا به عِلْما ،وعلى من يخلقون إفْكًا ويكسبون إثْما ،فالرد عليهم بلا فائدة ،ولا عائدة ،وقد قال الأول ،وما تقوَّل:
لِي حيلةٌ في مَنْ يَنـــمُّ وَلَيْسَ في الكذَّابِ حِيلَهْ
مَن كانَ يَخْلُقُ مَا يَقُـــولُ فَحِيلَتِي فيه قَلِيلَهْ
مع يقيني ولله الحمد بأنه جَلّ الواحد الأحد الذي لا يُخْطِئ ،وهو المُعِيدُ المُبْدِئ ،وأنه لا عصمة إلا للأنبياء ،عليهم الصلاة والسلام بلا حد ولا انتهاء.
الملاحظة الثامنة:
حَصَرُوا مُرَادَكَ فِي الوَطَنْ..يَا بَابَ يَا شَيْخَ السُّنَنْ
وَمُرَادُكَ الْأَكْوَانُ وَالْـــإِنسَانُ فِي طُولِ الزَّمَنْ
وَمُرَادُكَ الرَّحْمَنُ جَـــــلَّ جَلَالُهُ مَهمَا يُظَنْ
فَإِلَيْهِ تَدْعُو جَاهِدًا..كُلَّ الْأَنَامِ بلَا فِتَنْ
(كُن لِّلْإِلَهِ)،ومثْلُهَا..(آمِنْ أُخَيِّ)،عَلَى سَنَنْ
نِبْرَاسُ كُلِّ مَنِ اهْتَدَى..مِنْ غَمِّ دَيْجُور الدُّجَنْ
يَأَيُّهَا الْبَحْرُ الْخِضَمُّ مِنَ الْمَعَارِفِ والْفِطَنْ
يَا حَارِسَ السُّنَنِ التِي..لَوْلَاكَ كَادَت تُّمْتَهَنْ
مَا ضَرَّ مَجْدَكَ شَامِخًا...مَن لَّيْسَ شَهْمًا يُؤْتَمَنْ
لَوْ كَانَ يَعْرِفُ مَن تَكُو..نُ لَجَادَ بِالْقَوْلِ الْحَسَنْ
أَوْ كَانَ ذَا لُبٍّ لَمَا..أَبَدًا تَعَرَّضَ لِلْمِحَنْ
فَانْعَم بِرِضْوَانِ الذِي...أَعْطَاكَ مِنْ خَيْرِ الْمِنَنْ
فِي جَنَّةِ الْمَأْوَى بِلَا ..غَمٍّ يَجِدُّ وَلَا حَزَنْ.
توضيح:
الملاحظة السابعة صِيغَتْ في معظمها سَجْعًا جاء عفْوَ الخاطر ،والملاحظة الثامنة عبارة عن قصيدة قلتُها سابقا ،ولْيَعْذرْني المطالعون على الارتجال ،مع انشغال البال ،والعذرُ عند كرام الناس مقبول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتابات إبراهيم بن موسى بن الشيخ سيدِيَّ 
  

ليست هناك تعليقات:

موريتانيا ومالي والسنغال الثلاثة واحد /إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ

 موريتانيا وَمَالِي والسنغال:الثلاثةُ وَاحِدٌ /إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ  الْحكمةُ التي نَتَحَلَّى بِها طَبْعًا لَّا تَطَبُّعًا ،وخُل...