Translate

الخميس، ديسمبر 04، 2008

الفتنة الكبرى



       لم ينجُ من الافتتان وليٌّ صالحٌ ولا نبيٌّ مرسلٌ ،وهو سبب من أسباب الإيجاد ،ويُسَلِّمُ اللهُ من شره من شاء ،ويَكِلُ من شاء إلى نفسه فيقع في متاهةٍ بسبب اجتهاداته التي يستـند فيها ـ حينا ـ إلى الجزئيات ،ويستعين في أحايـينَ اُخرى بآراءِ ناسٍ مثلِه لم تستطع عقولُهم تجاوزَ مدى بصرِهم، وقد علم كيف أنهم بما بذلوا من جهد وكابدوا من عناء رجعوا وعقولهم منهكة ،وقد نفدت طاقات أعمارهم عبثا ،وذهبت جهودهم المضنية سدى،وأحسنهم حالا المقر منهم بعجزه ،فقد أراح الناس من قراءة ما كـَتب ،وأما المكابرون وكثير ما هم ،فإنهم نطقـوا بكلام لو بُسِّط لوُجد أنه لا يستحق أن يلتـفت إليه عاقل ،ولا أن ينـشغل بمحاولة فهمه صاحبُ بصيرةٍ ونظرٍ ،ومن أشد أصناف الذين فـُتـِنوا قوم يخوضون غـمار الحياة خوضَ البهائم ويدفعون عن قلوبهم الخواطر والسوانح باللهو واللعب ،ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، فيهبطون بعقولهم من أرقى مراتب الكمال وهو تـلقي ما أوحي به إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام إلى مصرٍ من أمصار الدنيا ، حيث الحياة المادية مكابدة ومجاهدة لما هو في أصله مقدر في الأزل ومحصن من الخلل ،فهؤلاء هم الموصوفـون بأنهم أضل من الأنعام وبأنهم هم الغافـلون
بينما اقتضت حكمة الله تعلى أن يعمل الإنسان لدنياه كأنه يعيش أبدا ( وهذا القسم هو المعمول به غالبا ) ،وأن يعمل لآخرته كأنه يموت غدا ( وهذا القسم لم يلتفـت إليه إلا من اعتصم بالله فهداه إلى صراط مستقيم )
ولن يجد أحد نفسه خارج حالة من هذه الحالات سواء العاكف على شأنه أو البادي إلى الناس برأي أو نحلة ينتحلها أو سياسة يتقـدم بها إلى بني وطنه معتقـدا فـيها صلاحا ونجاة من الجهل والفـقـر والمرض وضمانا للالتحاق بركب المنتفـعـين من خيرات الدنيا

وفي كل حملة رئاسية يظهر من هذا الصنف عدد معين لا يختلفـون في وجه من الوجوه إلا من جهة تركيب الجُمل وانتـقاء الألفاظ والتـفـنن في التعبير وجودة الإلقاء ،وعـندما ينزل أحدهم إلى التطبيق ينحصر إنجازه في إحلال المقـربين منه في وظائفِ قـومٍ آخرين ،ويُطل على شعبه عند رؤية هلال رمضان وشوال وفي العاشر من ذي الحجة وعند ذكرى الاستقلال ،ويتردد اسمه في التلفزيون الرسمي وهو يستقـبل موفـدين أجانب أو سفـراء معـتمدين أو يجري لقاءات مع رؤساء أحزاب سياسيين ،أو عندما يودع العاصمة في رحلة داخلية أو خارجية ! بينما تتعامل معه الوسائل الإعلامية الخاصة بحسب مصالحها ،وتعود بقـية الأحزاب السياسية للعمل مرة أخرى من أجل البحث عن فـرص أخرى تقـرب من القـصر الرئاسي ،وتباعـد من أداء الواجب المتمثل في بناء موريتانيا عن طريق تكاتف الجهود ،ورص الصفوف ،وغـلق الباب في وجه كل متدخل أجنبي ،ومساعـدة السلطة الحاكمة بأمانة ،وصدق وإخلاص ومراقـبة حركة المال العام وربط صلات وثيقـة مع هـيآت المجتمع المدني والتجمعات النقابية ،ومتابعة نشاطات الأجانب داخل البلد بدقة بالغة ويقـظة دائمة ومناقـشة جدوى الاتفاقـيات المبرمة مع الدول والمنظمات الدولية في جميع الميادين ومعرفة مدى أهميتها المباشرة بالنسبة لحياة المواطن وتطور الوطن ،ومراقـبة حركة التصدير والاستيراد وكافة الأنشطة التجارية ،والقـيام بعملية تغلغل كبيرة داخل المؤسسات التعليمية الرسمية والتجارية ،وبصفة خاصة ما يشتغل منها بتعليم اللغات الأجنبية وعلوم الحاسوب المختلفة،وتتبع مصادر الأمراض الفـتاكة بصرامة كاملة عن طريق التأكد من الطبيعة الصحية لما تعرضه المطاعم والفـنادق بجميع مستوياتها المختلفة ،والقيام بعملية توعـية جادة لعمال المخابز ،وأصحاب الدكاكين من أجل المحافظة على النظافة القـصوى في جميع مراحل تقـديم خدماتهم ،وعـدم ترك معروضاتهم عرضة للغبار والذباب ...
ثم اعرض نفسك ـ أيها السياسي ـ على ما سبق بيانه لتعرف من أي الفريقين أنت ؟هل أنت ـ لا أذن الله بذلك ـ من الذين وُكِلوا إلى أنفسهم فـتاهـوا ؟أم أنت ـ حفظك الله ـ من الذين اعـتصموا بالله فهدوا إلى صراط مستقيم ،فـقـدموا لشعبهم ووطنهم ما استحقاه عليهم من الواجب على أكمل وجه صادقـين مخلصين ؟.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتابات إبراهيم بن موسى

ابتهاليةٌ من شعر إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ

  براءَةُ اللهِ مِمَّنْ عَنْهُ قَدْ عَدَلُوا، وَوَحْيَهُ هَجَرُوا، يَا بِئْسَ مَا فَعَلُوا! خافُوا سِوَاهُ، وهابُوا غَيْرَهُ، – خَسِئوا- ...