محاسبة النفس وفق منهاج السلف الصالح ضرورة لا غنى عنها لمن كان يريد الله ورسوله والدار الآخرة ،لأن الإنسان بحكم طبيعته المركبة عرضة للوقوع في متالف الهمة ومفترات العزيمة ،والمجاهد في سبيل الله المدافع عن أرضه وعرضه ودينه يجب عليه أن يحرص أشد الحرص على ذلك حماية لتضحياته من أن تضيع سدى بسبب رياء أو عجب أو غيبة أو رؤية للفضل على الغير أوغير ذلك مما لا يسمح المقام ببسطه ،والنماذج الصادقة الحسنة في هذا السياق كثيرة في تاريخ الإسلام ،وسأعرض هاهنا منهج ولي الله الشيخ سِيدِيَّ الكبير بن المختار بن الهَيْبَ رحمه الله تعالى من خلال قصيدته التالية التي ابتدأ كل بيت منها بحرف من حروف (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري) رافعا شكواه إلى البارئ عز وجل مؤملا منه أن ينتشله من هوى النفس الذي هو بلية البليات ،ناعتا النفس ـ رحمه الله ـ بكل نعوت التقصير والتفريط كالإبطاء عن الطاعات والمسارعة إلى الشهوات ،ذاكرا أن من جملة خصالها اللهو والنوم والغفلة والحرص والأمل وسوء الطوية ،لأنها تستهين بالمعصية وتستمري اتباع الهوى ،وتعاميها عن مشاهدة صفاتها أدى إلى حجبها عن الاستغراق الكامل في ذكر الله سبحانه وتعالى المعبر عنه بمشهد الأحدية ،ذلك أنها أفنت جدها واجتهادها ومحفزاتها في تحقيق المآرب الدنيوية الفانية ،ويتابع الشيخ رحمه الله تعالى على هذا النحو من النقد اللاذع القاسي للنفس حرصا على نجاتها من الغوائل والحبائل والمكائد ،وهكذا كان أولئك السلف الصالحون يفتشون دائما عن كل طارئ يطرأعلى النفس ويعرضونه على شريعة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حتى يلقوا ربهم وهو عنهم راض ،وأنفسهم بلا شك أكمل النفوس وأزكاها ،إلا أنهم كلما نهلوا من معين معرفة الله عز وجل أدركوا من عظمته وجلاله ما يجعلهم يَعتبرون تضحياتهم الجسيمة تقصيرا وسعيهم الحميد تفريطا ،وهم والله أهل الله وصفوته.
والقصيدة هي:
رفعتُ إلى مَولايَ ـ جل ـ شكِيَّتِي ....... وأمَّلْتُ نـشْلِي عِندهُ مِن بَلِيَّتي
بُلِيتُ وهل يُبْلى مريدٌ بمثْلِ ما .......بُليتُ به مِنْ خُبْثِ نَفسٍ غَويَّةِ ؟
إذا رُمْتُ قُرْبَى أبْطأتْ وتلدَّنَتْ ........وما هي فيما تشتهي بالبَطِيَّةِ
شمائلُها لَهوٌ ونومٌ وغفلةٌ ....... وحرصٌ وتأمِيلٌ وسوءُ طَوِيَّةِ
رأتْ مُنقِضاتِ الظهرِ منها خفيفةً ........وعدَّتْ مُوَاطَاةَ الهَوَى كَالْمَزِيَّةِ
حِجَابُ عَمَاها عَن شهودِ صِفاتِها ....... به حُجِبَتْ عن مشهدِ الأحَدِيَّةِ
لذلك أفْنَتْ جِدَّها واجْتِهادَها........وَمَرْغَبَها في الفانيات الرَّدِيَّةِ
يكادُ رِضاها حُكْمَ جَائِرِ نفسِها.......يُمَحِّي رِضَاها حُكْمَ عَدْلِ القَضِيَّةِ
صَحَتْ مِن سماءِ الوارداتِ سماؤُها...... بِعَصْفِ رِيَاحِ الهاجِساتِ الرَّدِيَّةِ
دَعَتْها دَوَاعِيهَا الْكَوَاذِبُ أن قَضَتْ .......بإحْرَازِهَا نَعْتَ النفوسِ الرَّضِيَّةِ
رَزِيَّتـُهَا فيما تراه مُقرِّبًا........وما فيه غَيْرُ الْبُعْدِ أدْهىَ رَزِيَّةِ
يُرِي عَيْنَها الْعَمْيا غِوَايَتَها هُدًى ....... مَنِ انْ يَدْعُهَا لِلْغَيِّ لَبَّتْ وَحَيَّتِ
وعَدتَّ إلهي بالإجَابَةِ مَن دَعَا....... وَنَادَاكَ مُضطَرًّا بإخْلَاصِ نِيَّةِ
يُقِرُّ بِأن لا رَبَّ غَيْرُكَ جَالِبًا ....... لِمَا يُرْتَجَى أو مَانِعًا مِن تَقِيَّةِ
سألْتُكَ يا اَللهُ ذَا الْجُودِ والْغِنَى.......بِوَارِثِ خَيْرِ الْخَلْقِ مُشْكِي الشَّكِيَّةِ
رَبِيعِ أجَادِيبِ الْقُلُوبِ وَغَيْثِهَا ........ وَمُنبِتِ أزْهَارِ الْمَعَانِي الْبَدِيعَةِ
لِتَشْرَحَ لِي صَدْرِي وتَكْشِفَ كُرْبَتِي ......... بِتَيْسِيرِ أمْرِي وانقِيَادِ مَطِيَّتِي
يُبَلِّغُها الْمَجْهُودَ سَوْقُ عِنَايَةٍ........لَهَا سَبَقَتْ مِن رَبِّهَا أزَلِيَّةِ
إلى مَا بِهِ يَغْدُو الْبَعِيدُ مُقَرَّبًا.......وَيُبْدِلُ قُبْحَ الطَّبْعِ حُسْنَ سَجِيَّةِ
مَدَدتُّ إلَيكَ الْكَفَّ يَا خَيْرَ وَاهِبٍ.......فلا تَحْرِمِ الْخَيْرَ الْمُفَاضَ يُدِيَّتِي
رَجَائِيَ فِي جَدْوَاكَ غَيْرُ مُصَغَّرٍ.......وَإن صَغُرَتْ نَفْسِي وَجَلَّتْ خَطِيَّتِي
يَقِينِي وَعِلْمِي أنَّ جُودَكَ وَاسِعٌ.......وَوَعْدَكَ صِدْقٌ مُوثِقَايَ بِظِنَّتِي
أصَرْتُ وُقُوفِي عِندَ بَابِكَ سَيِّدي .......وقَرْعِي لَهُ مِفْتَاحَ بَابِ الْعَطِيَّةِ
أجِرْنِي مِنَ الْإخْفَاقِ واسْمَحْ بِمَطْلَبِي.......وَلَا تُخْزِنِي يَا رَبِّ بَيْنَ الْبرِيَّةِ
مَرَاقِي العُلا ذَلِّلْ لِمَوْطِئ أخْمصِي.......وَزَيِّن بأسْرارِ الْوَلَا والْمَعِيَّةِ
يُعَزُّ ذَلِيلٌ يَسْتَعِزُّ بِعِزِّ مَنْ.......لَهُ الْعِزُّ في دَيْمُومَةِ الصَّمَدِيَّةِ
نَعَمْ وَبِهِ يَقْوَى الضَّعِيفُ وَيَغْتَنِي.......أخُو الْفَقْرِ عَنْ أجْناسِهِ الْبَشَرِيَّةِ
وَأزْكى الْورى طَهَ الشَّفِيعُ وَسِيلَتِي.......إلَيكَ وَرُكْنِي دُونَ كُلِّ بَلِيَّةِ
عَلَيْهِ مَعَ الْآلِ الْكِرَامِ وَصَحْبِهِ......أتَمُّ صَلَاةٍ ثُمَّ أوْفَى تَحِيَّةِ
دَوَامَ مَدَى الدُّنيَا وَمَا اخْتَتَمَتْ بِهِ.......فَرَائِدُ عِقْدِ الصَّفْوَةِ النَّبَوِيَّةِ .
ــــــــــــــــــــــــــ
والقصيدة هي:
رفعتُ إلى مَولايَ ـ جل ـ شكِيَّتِي ....... وأمَّلْتُ نـشْلِي عِندهُ مِن بَلِيَّتي
بُلِيتُ وهل يُبْلى مريدٌ بمثْلِ ما .......بُليتُ به مِنْ خُبْثِ نَفسٍ غَويَّةِ ؟
إذا رُمْتُ قُرْبَى أبْطأتْ وتلدَّنَتْ ........وما هي فيما تشتهي بالبَطِيَّةِ
شمائلُها لَهوٌ ونومٌ وغفلةٌ ....... وحرصٌ وتأمِيلٌ وسوءُ طَوِيَّةِ
رأتْ مُنقِضاتِ الظهرِ منها خفيفةً ........وعدَّتْ مُوَاطَاةَ الهَوَى كَالْمَزِيَّةِ
حِجَابُ عَمَاها عَن شهودِ صِفاتِها ....... به حُجِبَتْ عن مشهدِ الأحَدِيَّةِ
لذلك أفْنَتْ جِدَّها واجْتِهادَها........وَمَرْغَبَها في الفانيات الرَّدِيَّةِ
يكادُ رِضاها حُكْمَ جَائِرِ نفسِها.......يُمَحِّي رِضَاها حُكْمَ عَدْلِ القَضِيَّةِ
صَحَتْ مِن سماءِ الوارداتِ سماؤُها...... بِعَصْفِ رِيَاحِ الهاجِساتِ الرَّدِيَّةِ
دَعَتْها دَوَاعِيهَا الْكَوَاذِبُ أن قَضَتْ .......بإحْرَازِهَا نَعْتَ النفوسِ الرَّضِيَّةِ
رَزِيَّتـُهَا فيما تراه مُقرِّبًا........وما فيه غَيْرُ الْبُعْدِ أدْهىَ رَزِيَّةِ
يُرِي عَيْنَها الْعَمْيا غِوَايَتَها هُدًى ....... مَنِ انْ يَدْعُهَا لِلْغَيِّ لَبَّتْ وَحَيَّتِ
وعَدتَّ إلهي بالإجَابَةِ مَن دَعَا....... وَنَادَاكَ مُضطَرًّا بإخْلَاصِ نِيَّةِ
يُقِرُّ بِأن لا رَبَّ غَيْرُكَ جَالِبًا ....... لِمَا يُرْتَجَى أو مَانِعًا مِن تَقِيَّةِ
سألْتُكَ يا اَللهُ ذَا الْجُودِ والْغِنَى.......بِوَارِثِ خَيْرِ الْخَلْقِ مُشْكِي الشَّكِيَّةِ
رَبِيعِ أجَادِيبِ الْقُلُوبِ وَغَيْثِهَا ........ وَمُنبِتِ أزْهَارِ الْمَعَانِي الْبَدِيعَةِ
لِتَشْرَحَ لِي صَدْرِي وتَكْشِفَ كُرْبَتِي ......... بِتَيْسِيرِ أمْرِي وانقِيَادِ مَطِيَّتِي
يُبَلِّغُها الْمَجْهُودَ سَوْقُ عِنَايَةٍ........لَهَا سَبَقَتْ مِن رَبِّهَا أزَلِيَّةِ
إلى مَا بِهِ يَغْدُو الْبَعِيدُ مُقَرَّبًا.......وَيُبْدِلُ قُبْحَ الطَّبْعِ حُسْنَ سَجِيَّةِ
مَدَدتُّ إلَيكَ الْكَفَّ يَا خَيْرَ وَاهِبٍ.......فلا تَحْرِمِ الْخَيْرَ الْمُفَاضَ يُدِيَّتِي
رَجَائِيَ فِي جَدْوَاكَ غَيْرُ مُصَغَّرٍ.......وَإن صَغُرَتْ نَفْسِي وَجَلَّتْ خَطِيَّتِي
يَقِينِي وَعِلْمِي أنَّ جُودَكَ وَاسِعٌ.......وَوَعْدَكَ صِدْقٌ مُوثِقَايَ بِظِنَّتِي
أصَرْتُ وُقُوفِي عِندَ بَابِكَ سَيِّدي .......وقَرْعِي لَهُ مِفْتَاحَ بَابِ الْعَطِيَّةِ
أجِرْنِي مِنَ الْإخْفَاقِ واسْمَحْ بِمَطْلَبِي.......وَلَا تُخْزِنِي يَا رَبِّ بَيْنَ الْبرِيَّةِ
مَرَاقِي العُلا ذَلِّلْ لِمَوْطِئ أخْمصِي.......وَزَيِّن بأسْرارِ الْوَلَا والْمَعِيَّةِ
يُعَزُّ ذَلِيلٌ يَسْتَعِزُّ بِعِزِّ مَنْ.......لَهُ الْعِزُّ في دَيْمُومَةِ الصَّمَدِيَّةِ
نَعَمْ وَبِهِ يَقْوَى الضَّعِيفُ وَيَغْتَنِي.......أخُو الْفَقْرِ عَنْ أجْناسِهِ الْبَشَرِيَّةِ
وَأزْكى الْورى طَهَ الشَّفِيعُ وَسِيلَتِي.......إلَيكَ وَرُكْنِي دُونَ كُلِّ بَلِيَّةِ
عَلَيْهِ مَعَ الْآلِ الْكِرَامِ وَصَحْبِهِ......أتَمُّ صَلَاةٍ ثُمَّ أوْفَى تَحِيَّةِ
دَوَامَ مَدَى الدُّنيَا وَمَا اخْتَتَمَتْ بِهِ.......فَرَائِدُ عِقْدِ الصَّفْوَةِ النَّبَوِيَّةِ .
ــــــــــــــــــــــــــ
عرض وتقديم:إبراهيم بن موسى