الْفَرْقُ بينَ الـْمُسْلِمينَ الْعَرَبِ والمُسْلِمينَ مِنْ غَيْرِ الْعرَبِ فِي سياسةِ بُلْدانِهم وتعامُلِهم مع مجتمعاتِهم هو:
- أن الدينَ في أغْلبِ بلادِ الْعربِ وَسيلةٌ كَأيِّ وسِيلةٍ من وسائِلِ الْحُكْمِ، حيثُ تكونُ الْمُبادرةُ إلى الْقيامِ بِأيِّ نشاطٍ دِينِيٍّ تأْتِي من الْحاكمِ، مِنَ الْحَاكمِ فَقَط،
ولقدِ اطَّلَعْتُ على حوارٍ سُئِلَ فيهِ أحدُ الْعلماءِ الْعربِ عن: لماذا سكوتُهُ عن بَعضِ أحْداثِ تلكَ الْفترةِ مَعَ حاجةِ الناسِ إلى معرفةِ حُكْمِ اللهِ فِيها؟ فأجابَ السائلَ بِأنّهُم مُّجَرَّدُ مُوَظَّفِينَ يَخْضعونَ لِنظامِ الوظيفةِ كما يخْضعُ لَهُ سائرُ موظفِي الدولةِ!
ومِنَ الْمُحْزِنِ الْمُؤْسفِ أن الْعربِيَّ السُّنِّيَّ ظَلَّ إلى عَهْدٍ قريبٍ يُمَيَّزُ عنِ الْعربيِّ الشيوعيِّ والعلمانيِّ بِشارِبِهِ الذِي يَحُفُّهُ مَعَ أَنَّهُ حَلِيقُ اللحيةِ، وغالِبًا لا يَكونُ مِنَ الْمُصَلِّين!
- أمَّا في الْبلادِ غيْرِ الْعربيةِ فَإنَّ الدِّينَ غَايةٌ وَنِظامُ حَياةٍ، والْعُلماءُ والمَشْيَخاتُ لهم مَّكانَةٌ مَّكِينةٌ، وَسُلْطةٌ نافِذةٌ، وإِرادةٌ حُرَّةٌ، وحُرُماتٌ مُّحْترَمةٌ، ويَتمتَّعونَ بِحرِّيةِ التواصُلِ معَ العلماءِ والشعوبِ مِن دوَلٍ أُخْرَى دُونَ أن تَحْشُرَ حكوماتُهم أنُوفَها في تَصرُّفاتِهم وأَنشِطتِهم!
ربما يعودُ كَوْنُ الدينِ عِندَ الْعرَبِ عِبادةً لا غَيْرَ، وشَعائرَ تتحكَّمُ الدولةُ في إِثْباتِ مواقِيتِها، وتُسيطرُ على أداءِ جُمْهورِ المُؤْمِنينَ لها، إلى الطبيعةِ الدكتاتوريةِ المتغَطرِسةِ الْمُستكْبِرةِ لِلحاكمِ العربِيِّ الذِي فَرَضَ نَفْسَهُ على شعْبِهِ مَلِكًا أو أميرًا أو رئِيسًا أو زَعيمًا، فَكانَ في مُعاملتِهِ معَ شعْبِهِ أَسدًا هَصُورًا، وفي تَعامُلِهِ مع أَعْدَاءِ الأمَّةِ ضَعيفًا لا يَتَمَاسَكُ!
اُنظُرُوا إلى حكَّامِ إفريقيا الذين أعزَّهمُ اللهُ بِإِعْزَازِهم لِلدِّينِ وأهلِهِ؛ هاهم طرَدوا الْفرنسيينَ، ورفضُوا إملاءاتِ أَمْرِيكا، ووقفُوا مع الْعدْلِ وضدَّ الظلمِ، لا يَهُمُّهم ما سيُكلِّفُهمْ ذلك عَاجِلًا أو آجِلا،
وانظرُوا إلى الباكستانْ إِذْ تَكَتَّمَتْ حكومةً وشعْبًا على الشيخِ أسامةَ رحمهُ اللهُ إلى أن وُشِيَ بِهِ إلى الأمريكيينَ، وكانَ حِينَها أَشْهرَ مَطلوبٍ لطواغِيتِ أمريكا، وانظروا إلى إيرانْ حيثُ الْمُرْشِدُ الْأعلى الذِي يُنَفِّذُ رئيسُ الجمهوريةِ أوامرَهُ سَامِعًا مُّطِيعًا!
الشخصيةُ العربيةُ سُلطوِيَّةٌ نرْجسيةٌ غارِقةٌ في عِبادةِ ذاتِها، مُحْتَقِرَةٌ لغيْرِها منَ الشعوبِ،
تَذَكرْتُ الدولَ الإفريقيةَ الْكبْرَى مِثلَ نِيجيرْيا، وبريتوريَا، وهي مُجاورةٌ لدُوَلٍ صغيرةٍ بلا جيوشٍ في الْغالبِ، ولها معها إلى اليومِ مشاكلُ تتعلَّقُ بِالْحدودِ، وهي قادرةٌ على ضمِّها في أَيِّ لحْظةٍ لكنها تتمتعُ بِعلاقاتِ جوارٍ حَسَنٍ معها، وتتعاملُ معها بِاحترامٍ ونِدِّيَّةٍ وعَدْلٍ وإِنصافٍ!
على الْعربِ أنْ يُّراجِعُوا أنفُسَهم ويُبادِرُوا إلى إعادةِ النظرِ في أخلاقِهم وفي علاقتِهم بالدِّينِ والناسِ أجمعينَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق