حَاوِلْ أن تُقنعَ الناسَ بالكلام ،قَدِّمْ لهم حُجَجَك وبراهينَك ،ربما لن يكذبوك ،لكن لن تستطيعَ أن تجعلَهم يَطمئنون إلى كلامك ،إنهم ليسوا بُلها ،وليسوا كذلك مضربَ المَثل في الذكاء ،قد يَتفهمون ما تريد بكلامك ،بل سينجذبون إليك ،وأنت تَفتِنُهم بألفاظك الدقيقة ،وتسحرهم ببيانك ،إذْ تُحَدثهم عن عبقرية آبائك الذين شادوا صرحا حضاريا عجيبا ،في ظروف لو كنت تعيشها أنت لما بلغت مبلغهم ،ها أنت تعيش عصر المعلومات وعصر السرعة وعصر اختزال المسافات ولم تستطع أن تحفظ بعض ما حفظوا ولا أن تحيط ببعض ما أحاطوا به ،ها أنت تعيش عصرا أصبَحَتْ فيه الخليةُ بالنسبة لتكنولوجيا النانو كَوْنًا فسِيحًا ،ومن المحتمل مع هذا التطور المتواصل أن يتم العثور على أبعاد أخرى غير الزمان والمكان والعمق ،ومع ذلك لم تُقِمْ محاظرَ لها نفسُ جاذبيةِ محاظرِ الآباءِ تواكبُ البحوثَ العلميةَ وتدرسُها وتناقشُها وتستوعبُها وتضيفُ إليها
حَدِّثِ الناسَ عن آبائك كما تُحدثُهم عن الخيال العلميِّ ،فهم لن يكذبوك ،لكنهم أيضا لن يُسارعوا إلى تصديقِك ،لأن المسافة بينك وبين آبائك مسافةٌ شاسعةٌ جدا ،وأنت لا تريد أن تختزلَها ،ولا تريدُ أن تستعينَ بالتكنولوجيا لِتختزلَها لك ،بِمَ تجيبُهم إذا سألوك كيف حَدَثَتْ هذه القطيعةُ الإبستمولوجيةُ ؟حَاوِلْ أن تشرَحَ لهم معنى تَحَولِك إلى مُجَرد شادٍ يشدو بالمجد ،ومَعنى كوْنِكَ لم تَشْتَغِلْ بالعلم من قبْلُ ولم تُحْسَبْ من العلماءِ مِن بَعْد ،اشْرَحْ لهم معنى:
ولم أرَ في عيوب الناس عيبًا....كعَجْزِ القادرين على التمَام
لو عاصرتْكَ الخنساءُ لَرَثَتْ لِحَالِكَ أكثرَ مِن رثائها لأخيها صخر ،ولقد بلغني أن أسماكا وحيتانا تموتُ في البحر عطشا والماءُ يَغمرُها فما تستطيعُ له طلبًا ،فاستغربْتُ ذلك ،ولولا ثقتي بعلْم المُخْبِرِ لَمَا اعتنيتُ بالخبر ،ولَمَّا علمتُ بحالك قلتُ:ها هُو ذا حفيدُ الشناقطةِ يَسْهُو عن العلم والعلم يحيط به من كل جانب ،فلا غرابة إذا سهت الأسماك والحيتان عن الماء وهي في غمرات الموج
إن الناس سيحفظون كلماتِك الجميلةَ ،سيقولون ليت مَظهرَك كمَخبرِك ،وليت لسانَ الحال ينبئ كما ينبئ لسانُ القال
حذار من أن تغضبَ إذا مَثَّلُوا الفرْقَ بيْن قيمتِك وقيمةِ آبائِك عند الناس بالفرْقِ بيْن التمرةِ ونواتِها ،بل تقبَّل منهم بصدْر رحْبٍ ذلك التمثيلَ وِفاقًا لهم على تقبلِهم منك حديثَك المُعَادَ الطويلَ .
ــــــــــــــــــ
من كتابات براهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيا