في جو انتخابي صاخب يتسم بالحركية ومليء بالمفاجآت والاتهامات بين المرشحين جرى هذا الحوار الافتراضي بين شخصين افتراضيين ينتميان إلى منزلة غير المنزلتين وهي منزلة المتفرجين الإيجابيين الذين يتابعون الوضع بعناية أما عبارة المنزلتين فتعني عدة معان أنت مخير في اختيار المناسب منها لذوقك
منها: منزلة الغالب ومنزلة المغلوب ،قال العلامة المؤرخ المختار ولد حامدن رحمه الله تعالى:
خلِّ السياسةَ إلى جانِبِ.....ألْقِ لها الحَبْلَ على الغارِبِ
لا تَكُ مغْلوبًا ولا غالبًا.....كُن ثَالثَ المغلوبِ والغالِبِ
ومنها:منزلة الصادق الضعيف ومنزلة الجريء على الله
ومنها:منزلة المتحمس ومنزلة المتخوفقال أحد الاثنين اللذيْن ينتميان إلى غير المنزلتين:
ما هو موقفك من التصويت للمرشحين يومَ السبتِ الثامنَ عشرَ من هذا الشهر؟
قال له صاحبه:هؤلاء المرشحون سواسية كأسنان المشط ،تعهد كل واحد منهم ببرنامج لبناء البلد وتطويره ،فأنا في غاية الحيرة من أمرهم ،لما ذا لم يكتفوا بمرشح واحد وبرنامج واحد ؟إنني لا أستوعب أن يكون هنالك مخلصون يتنافسون على الرئاسة التي هي بالنسبة لي منصب تكليف يواجه متوليه مصاعب جمة يستحيل معها أن يفيَ بأبسط وعد من وعوده على نحو ما وعد ،والرئيس محاط هذه المرة برصد شديد من البرلمانيين والصحافة والمثقفين والرأي العام الوطني والدولي..وسيكون لسان حال ناخبيه قول القائل:
وعدتْ هندٌ وما كانتْ تعِدْ.... ليتَ هندًا أنجَزَتْنا ما تَعِدْ
واسْتَبَدَّتْ مرَّةً واحدةً ....إنما العاجز مَن لا يَسْتَبِدْ
قال له صاحبه:تعدد المرشحين يفيد البلاد والعباد،ذلك أن كل مرشح سيدرك أن له أندادا ونظائر وأشباها وأكْفَاءً وأن اختياره من بينهم لا يعني أنه من ذهب وأن غيره من حطب ،وإنما يعني أن اختيار غيره كان وسيبقى ممكنا ،وأن نجاحه سيعني بالنسبة له أقسى امتحان عنَّ له في حياته ،فإما نجاح إلى نجاح ورَوْح وريْحان وجنة نعيم ،وإما ...
قال له صاحبه:لقد أبلوا هذه المرة بلاء حسنا في حملاتهم الانتخابية بصفة عامة ،وأحسن بلائهم كان سعي كل واحد منهم إلى الكشف عن حقيقة الآخر وهو في ذلك متهم بلا شك،ولكن الشعب مهما كانت الأمور سيضيف إلى وعيه بالشأن العام إضافاتٍ هامةً جدا كمًّا وكيفًا ،وسيعرف كيف يواجه الإرهاب والإغراء من المرشحين ،كما أن الرأي العام سيراقب بدقة تنفيذ الرئيس المنتخب لبرنامجه منذ لحظة أدائه لليمين القانونية
قال له صاحبه:إنها تجربة جميلة أخرى في الحياة السياسية الموريتانية ،غير أنني أخشى عليها من الذين تعودوا دائما على استغلال المنصب من حاشية الرئيس ،فهم في البداية يستبسلون ويستميتون من أجل وصول مرشحهم إلى الحكم مع أنهم في الغالب لا يعرفون شيئا عن برنامجه الانتخابي بل لا يهمهم أمرُه إطلاقا ،هؤلاء هم سموم الحياة السياسية وجراثيمها الفتاكة
قال له صاحبه:إن بعض المثقفين يتلونون في مواقفهم السياسية تلون الحرباء ،تجدهم تارة يستقيمون استقامة الألِف وتارة يلْتوون التواء الياء ،يكونون مع هذا المرشح أو ذاك ،ويواجهون خصومه منتهجين نهج الثعالبي في كتابه(تقبيح الحسن وتحسين القبيح) كأنهم تلامذة أبي زيد السروجي في مقامات الحريري ،لا فرق عندي بينهم وبين من وصفتهم بسموم الحياة السياسية وجراثيمها الفتاكة
ثم افترقا يدعوان بكل خير لمستقبل هذه البلاد ولشعبها البريء الطيب.
ــــــــــــــــــــــــ
من كتابات إبراهيم بن موسى