Translate

الأربعاء، ديسمبر 03، 2014

حول الإصلاح والتجديد

        الإصلاح والتجديد من غايات أصحاب النفوس الكبيرة الذين يحبون لأمتهم ما يحبون لأنفسهم ،والكلمتان "الإصلاح والتجديد" كلمتان كبيرتان أيضا ،واستعملهما الباحثون للدلالة بهما على نماذج إصلاحية ذات أنماط مختلفة وتأثيرات مختلفة كذلك وكأنهم لا يرون لهما حدا اصطلاحيا يُستخدم كقياس متفق عليه ،واستخدموهما ليخدموا بهما ما يعتقدون وذلك بنعت من يصفونه بهما بأنه من مذهبهم أو من أنصار مذهبهم ،وقد يتجاوزون ذلك إلى إحداث قطيعة معرفية بينه وبين علماء زمانه !!
      لقد غابت عن هؤلاء الباحثين عدةُ أوجه من الحقيقة فحرمهم ذلك من الإنصاف ،فمن وجوه الحقيقة الغائبة عنهم :
1ـ أن المصلح تصنعه الظاهرةُ "الفاسدة" التي قرر معالجتها وإصلاحها ،فهي تستفحل في زمانه استفحالا تجعله غير معذور بأي حال مهما كان مستواه المعرفي أو الاجتماعي إن هو لم يتصدَّ لها بحزم وشدة بالدليل والبرهان والحجة والإقناع  ،
2 ـ الظواهر الاجتماعية الفاسدة الجامحة تهيمن منها واحدة على الظواهر الأخرى فترة زمنية ،ثم تنوبها أخرى ،فالظاهرة في زمان سيدنا نوح عليه السلام كانت الشرك بالله عز وجل وهي أصل الفساد كله والعياذ بالله، وفي زمان سيدنا هود عليه السلام كانت ظاهرة محاولة الهيمنة على الطبيعة طمعا في الخلود وقهر الفَناء ،قال تعالى على لسان سيدنا هود :" أتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءايةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ " وفي زمان سيدنا صالح عليه السلام اشتدت نفس الظاهرة ،وفي زمان قوم سيدنا لوط عليه السلام جاءت ظاهرة انحراف الفطرة ففسدت الاخلاق وضاعت ضوابطها كما هو معلوم ،وفي زمان سيدنا شعيب عليه السلام كانت ظاهرة اشتداد الجشع والحرص في أوساط الأغنياء والتجار فكانوا يُخْسِرُون الميزانَ ،وفي زمان سيدنا موسى عليه السلام كانت ظاهرة السحر ... فكل رسول عالج الظاهرة بما مكنه الله سبحانه وتعالى من معجزات ،ولم تشغله عن غيرها من وجوه الفساد الاجتماعي الأخرى
3 ـ الظاهرة الفاسدة تعالج في سياق إصلاحي عام ولا تَستحوذُ عليه من الجهد والوقت إلا قدر ما تَستحق ،ولا يجوز أن تشغلنا بالمطلق حتى نذهل عن أمور قد يؤدي إهمال أي منها إلى مخاطر تساوي أو تكبر الظاهرة الفاسدة نفسها
4 ـ اشتهار مصلح أو مجدد بمعالجته لظاهرة فاسدة في زمانه لا يجوز أن يُفهم منه أن من سبقه من العظماء كانوا أقل منه إدراكا أو فهما أو علما أو اهتماما ،فكما قلتُ إن تلك الظاهرة لم تكتمل ملامحها إلا في زمان هذا المصلح أو المجدد الذي جابهها

        إن هذه الملاحظات هامة جدا بالنسبة لكل من يكتب عن مصلح أو مجدد ،لعله أن يهتدي إلى الإنصاف ،ويبتعد عن اتهام أسلاف المصلحين بالتقصير .   

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتابات إبراهيم بن موسى بن الشيخ سيديا

ليست هناك تعليقات:

لماذا تخلف وعد الله؟

 لِمَاذا تَخَلَّفَ وَعْدُ اللهِ؟ /إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ                وَعْدُ اللهِ كَسُنَنِهِ الْكَوْنِيِّةِ، أو كَالْقَاعِدةِ ا...