زِيَادَةُ تَعْرِيفٍ بِالشعْرِ / إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ
الشعرُ بَسِيطًا سِحْرُ مَشَاعِرَ ووجْدَانٍ ،بِبساطتِهِ يَتَنَزَّلُ بالنسبةِ لِلظَّمْآنِ مَنزِلةَ الْماءِ الْفُرَاتِ السَّائغِ شَرَابُهُ ،ويَتَنزَّلُ بِالنسبةِ لِلْوَلْهانِ مَنزِلةَ السُّلُوِّ وراحةِ الْبالِ ،ويَتَنزَّلُ لِلمَغْمومِ مَنزِلةَ السَّكْرَةِ فَإذا بِهِ خَارِجَ سُلْطانِ الْغَمِّ ،لَا يَعْقِلُ ذَاتَهُ ،
غَيْرُ الشعْرِ الْبَسيطِ من سائرِ الشعرِ أَفْيُونٌ مَّغْشوشٌ ،وتَصَنُّعٌ ورتوشٌ ،إذا أطرَبَ انقَلَبَ ،فلا قُلوبَ تَنبَهِرُ ،وَلَا مَشَاعِرَ تَنفَعِلُ ،رَغْمَ جَمالِ صِناعتِهِ ،ودِقَّتِهِ وَبَرَاعَتِهِ ،
كَمِثالٍ على الشعرِ بَسيطًا آسِرا سَاحِرًا فا قرأُوا للْقُدماءِ المعلّقاتِ ،واقْرَأُوا للرِّقّةِ شعرَ ابْنِ أَبي ربيعةَ ،
واقرأوا للْحكمةِ والإبداعِ شعرَ المتنبي ،وقِيسُوا على شِعْرِ هؤلاءِ ما قاربَهُ وشابَهَهُ ،فإنكم ستُنصِفُونَ العربَ إذا فَاخَرُوا الأُممَ بجَمالِ كلامِهمْ وبدائِعِ بَلاغتِهم ،
ولَقدْ عَجِبْتُ لِعُلماءَ لم يُوَفَّقُوا فِي فَهمِ قولِ اللهِ سبحانه وتعالى:
" وَالشعراءُ يتْبَعُهمُ الْغاوُونَ ،ألَمْ تَرَ أَنَّهمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وأَنهم يقولونَ مَا لا يَفْعلونَ .." الآية ،
فالشعْرُ إزاءَ كَلامِ اللهِ لَغْوٌ لا حقيقةَ له ولا معنَى ولا وجودَ ،ولا تأثيرَ له ولا جمالَ ،فهو في ذلك الموقفِ الْجليلِ الكريمِ غمْغمةٌ مِن ذِي كُحَّةٍ وَبُحَّةٍ قَدْ أصِيبَ بِأخْلاطٍ ،وتَعاوَرَهُ بَلْغمٌ ورطوبةٌ وسوداءُ ،فلا تُطيقُهُ الطباعُ ،بَلْ تَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ ،
وكذلكَ كُلُّ مَلِكٍ وَكَبيرِ قوْمٍ بينَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ والْجلالِ صَغيرٌ حقيرٌ ضَائعٌ إلا إذا لَطفَ اللهُ بِهِ ،وهو في مُلْكِهِ وسلطانِهِ رَفيعُ الْجَنابِ سَامِي الْحَضْرَةِ يَرْمُقُهُ الْجالِسونَ مِنْ حَوْلِهِ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ مُّطْرِقِي رؤُوسِهم مِّنَ الْإِجْلالِ والْإِكْبارِ والتَّعْظيم ،
وكذلك الشعرُ إذا اسْتَوَى على عرْشِهِ وابْتَعثَ إلى أهلِهِ شَياطِينَهُ فَطَفِقُوا يَنفُثُونَهُ سِحْرًا عَصِيًّا على الْإبطالِ ،وَاضِعِينَ على أَسْرَاهم الْأبْطالِ قُيُودًا مِنَ السلاسلِ والأَقفالِ ،فلا انفِكاكَ لهم مِّنْهَا إلى يومِ الْمَرْجِعِ والْمَآلِ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق