Translate

السبت، أكتوبر 05، 2024

وراء كل عظيم معلّم عظيم/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ

 وَرَاءَ كُلِّ عَظيمٍ معلمٌ عظيمٌ/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ 


قُرَيشٌ لَّمَّا ذَهَبَ بِها الْعَجَبُ كُلَّ مَذْهَبٍ وهي تَسْمَعُ آياتِ اللهِ الْبيِّناتِ يَتْلوها عليهم سيِّدُ الْأوّلينَ والْآخِرِينَ سيدُنَا محمدٌ صلى الله عليه وسلمَ لم تَجِدْ مُتَّكَأً يَسْترِيحُ عليهِ عَجَبُها إلا أن تقولَ " إِنّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ!" 

الْمُعلِّمُ بَشَرٌ! فَهَلْ كانوا يَقْصدونَ أنَّ غَيْرَ الْمُعَلِّمِ إمَّا نَاقِصُ الْبَشَرِيَّةِ أوْ فَاقِدٌ لَّها؟!


وحَسْبُ الْمُعلِّمِ فَخْرًا وكرامةً وفضْلًا أنْ يَّحوزَ مِنِ اشْتِقاقاتِ الْعِلمِ اسْمَ الْفاعِلِ!


طبِيعةُ علاقةِ الْمُعلِّمِ بِالْمُتعلِّمِ هيَ الْمُحَدِّدُ الْحاسمُ لِلنجاحِ فِي أدائِهِ لِرسالتِهِ الْجليلةِ، وقد كانتْ هذه الْعلاقةُ علاقةَ مُساكنةٍ ومُخالطةٍ تَستغْرِقُ سِنِينَ عَدَدًا حتى يُفِيضَ فيها الْمُعلمُ آخِرَ فَيضٍ من فيُوضاتِهِ على تِلميذِهِ ويَطْمَئِنَّ عليْهِ سُلوكًا وتَرْبِيةً وتَحْصيلًا، فَيُصَدِّرَهُ إلى الناسِ هُدًى ورَحْمةً ونورًا، 


تِلْكَ هِي طبيعةُ الأكادِيميةِ التقليديةِ التي ورِثَتْها في بعْضِ صُوَرِها الْمَحْضَرةُ الموريتانيةُ الْبديعةُ!


ورغْمَ وجودِ النظامِ المدرسيِّ الذي يُعلِّمُ علومًا مختلفةً في آنٍ معًا، ويتخذُ منَ الِامتحاناتِ والشهاداتِ مَعاييرَ يتميزُ بها طُلابُه، وتَقْتصرُ فيه العلاقةُ غالِبًا بينَ المُعلمِ والطالبِ على لِقائهما في الْفصْلِ ورِحابِ المدرسةِ، فإن بعضَ الْمعلمينَ الْأَكْفَاءَ الحُكماءَ الْأفذاذَ تَمَكَّنُوا مِنْ أداءِ واجِبِهمُ الترْبَوِيِّ إلى جانِبِ واجِبِهمُ التعليميِِّ بِكَفاءَةٍ واقْتِدارٍ، فَعِندَ انتِهاءِ موضُوعِ الدرْسِ مِن شَرْحٍ وتَقْعِيدٍ وتمارينَ يَقومونَ بِتَوْجيهِ التلاميذِ ويخرُجونَ مِنْ حُدودِ الْمَنْهجِ الْمَرْسومِ إلى فَضاءِ الْفضائلِ والأخلاقِ وأهمِّيةِ الْعلومِ، فأَثمَرَتْ جهودُهم رجالًا أَخذُوا بِأزِمَّةِ الْأمَّةِ إلى بَرِّ الْأمانِ، وتَصدَّوْا لِأعْدائِها فرَدُّوهمْ على أعقابِهم خاسِئِينَ، فهم لِدُجُنَّتِهَا الْإضاءَةُ، ولِدَيْجُورِها نُجومُ الِاقْتِداءِ والِاهْتِداءِ، وهم عَرِينُها مِن صولاتِ خفافيشِ الظلامِ، 


الْمُعلِّمُ كَنزٌ عظيمٌ لا تُسْتَخْرَجُ دُرَرُهُ إِلَّا بِتَحْسينِ وضْعيتِهِ الماديّةِ بِجَعْلِ راتِبِهِ مُساوِيًا لأعلَى راتبٍ في الدولةِ (مثل ما فعَلَتِ الْيابانُ)، وبِتَحْسينِ وضْعِيتِهِ الْمعنويةِ بِإيلائِهِ اعْتِبارًا عندَ الدولةِ والشعْبِ يَعْدِلُ اعْتبارَ أسْمَى مُوظَّفٍ (مثل ما كان عليه حالُهُ في أوْجِ ازْدِهارِ حضارتِنا الإسلاميةِ)،


وعلى مَنْ يَّتَصدَّى لِيَتَبَوَّأَ مَكانةَ الْمُعلِّمِ أنْ يَّكونَ فِي سِماتِ الأنبياءِ، وحِلْيَةِ الْأَوْلِياءِ، وتَضحِياتِ الشهداءِ، وطِباعِ الْعلماءِ الْعاملينَ!


اللهم قَيِّضْ لَنَا - جِيلًا بعدَ جِيلٍ - من المعلمينَ مَن تكونُ تلكَ صِفاتِهم، آمين.

ليست هناك تعليقات:

وراء كل عظيم معلّم عظيم/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ

 وَرَاءَ كُلِّ عَظيمٍ معلمٌ عظيمٌ/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ  قُرَيشٌ لَّمَّا ذَهَبَ بِها الْعَجَبُ كُلَّ مَذْهَبٍ وهي تَسْمَعُ آياتِ...