مِنَ المدرسةِ إلَى الْواقِعِ/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ
هُنَا أَتحدَّثُ عنِّي مِنْ أوَّلِ يومٍ في أُولَى ابْتِدائي أيْ مُنذُ السنةِ الدراسيةِ 1979-1980للميلاد، وكانَ مِنْ حُسْنِ الْحظِّ بَعْدَ توفيقِ اللهِ أن يكونَ مُعَلِّمِيَّ وأساتذَتِي مُتميِّزِينَ عِلْمًا وأخلاقًا وترْبِيَةً، وكنتُ شَدِيدَ الِاحترامِ لهم، وكانُوا أَهُلًا لذلِكَ،
وكانتِ الْمَناهجُ التعْليميَّةُ فِي غايةِ الْإِفادةِ،
بَعْدَ التخرُّجِ اكْتَشَفْتُ مَدَى شُسُوعِ مَا بَيْنِي وبينَ الُواقِعِ الذِي تَصوَّرْتُهُ مَيْدَانَ مَعْركةٍ فكريّةٍ وحضاريَّةٍ ووجودِيَّةِ بينَ حضارةٍ أنتمِي إليْها، وعالَمٍ من الِاستعماريينَ الْهمجِ الإمبرياليينَ، فَكنتُ كَالْخارجِ إليهِ فِي لَأْمَةِ الْحرْبِ، مُدَافِعًا، حَامِلًا بينَ أضْلاعِي وقائعَ الْحروبِ، وتاريخَ الْفتوحاتِ، واتِّساعَ رُقعةِ الدولةِ الإسلاميةِ، ثُمَّ انكماشَهَا وتَساقُطَ أطرافِها، ووقوعَها بِكامِلها فريسةً للمستعمرينَ، وكيفَ عمِلَ الْمُستعمرُ على ترسيخِ اعْتِقادِ عبَثِيَّةِ الِاستِغْناءِ عنْهُ، أوْ مُجرَّدِ مُحاولةِ تحريرِ الْعقْلِ الْمُكَبَّلِ بِأَغلالِه!
الْأدْهَى مِن ذلكَ والْأمَرُّ أنَّ عَيْنَيَّ انفَتحتَا على بِلادِي فإذا هِيَ ذاتُ علاقاتٍ مُّتَشابكةٍ معَ الدولِ " الِاستعماريّةِ" فِي شَتَّى الْمجالات، تَتبادلُ معها السفاراتِ، والزياراتِ على أعْلَى الْمُستوياتِ، وإذا بِي فِي حَيْرَةٍ، وعدمِ انسجامٍ: هَلْ أَبْقَى وَفِيًّا لما تَعلمتُ، أو أَنسَلِخُ مِنْهُ، وأتعاملُ مع الواقعِ قَابِلًا بِهِ وبِنوامِيسِهِ؟
وبِافتراضِ أَننِي استطعتُ أنْ أنسلخَ من تكوينِي الْمدرسيِّ ففِي أيِّ صورةٍ سَيترَكَّبُ ذِهْنِي وتتشكّلُ ذَاتِي؟ لَسْتُ أَدْرِي!!
لِكَيْلَا نَسْتَمِرَّ في إنتاجِ مثْلِ هذا النمَطِ علينا أن نُّوجِدَ حَلْقَةً مَّفْقودةً بينَ التكوينِ المدرسيِّ المُنطلِقِ إِلَى هَدَفٍ نَّبيلٍ هو بِناءُ الشخصيةِ الحضاريّةِ الإسلاميةِ القادرةِ على مواجهةِ الامبرياليةِ وأخواتِها، وبينَ الْواقِعِ الْمَعِيشِ الذِي يتَحكّمُ في مَفاصِلِهِ المُستعمرُ، تَحْمِي مِنْ أَيِّ تَبَذُّلٍ، أو مُتاجرةٍ بِالضميرِ، أو تَنَكُّرٍ لِّلْمَبْدإِ، أو خِيانةٍ لأمانةِ قادمِ الأجيالِ،
تلكَ الْحلقةُ الْمفقودةُ إِنُ اهْتُدِيَ إليْها ستكونُ حتْمًا مِّفْتَاحًا لبابِ الكرامةِ الْمَنشودِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق