Translate

الجمعة، أغسطس 09، 2024

السخاءُ مُنقِذًا /إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ

 السخاءُ مُنقِذًا /إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ 


حَكَى لِي أَحَدُ الأقاربِ أنّهُ بينما كانَ يُزاوِلُ مَهامّهُ في مكتبِهِ في إحدى الدولِ الإفريقيةِ اتّصلَ بِهِ مُدِيرُ أَعمالِهِ وأَعْلَمَهُ بِأنَّ شَخْصًا يُرِيدُ مُقابلتَهُ ،وقَدْ أَلَحَّ عليهِ ،فأذِنَ لهُ بِالدخولِ ،فقال لهُ ذلك الشخصُ : أنا رجلُ أعمالٍ يَهودِيٌّ غريبٌ على هذه الْبلادِ ،وأمُرُّ هذه الْفترةَ بِضائقةٍ ماليّةٍ خانِقةٍ ،ولقد حاولتُ مع بعضِ الْبنوكِ والْتقيتُ بعضَ رجالِ الأعمالِ فلم أجِدْ لِي مَخْرَجًا ،وقدْ أخبرَنِي بعضُ مَنِ اتصلْتُ بِهم بِأنْ آتِيَكَ وأعْرِضَ عليك مُشكلتِي وأطلبَ منك المُساعدةَ ! فقال له قرِيبُنا :مرحبًا بك ،ما هو الْمبلغُ المطلوبُ لخروجِكَ مِن مأْزِقِكَ ؟فردَّ عليهِ :ثلاثون ألْفَ دولار أمريكيٍّ ،فسلَّمَها لَهُ قَرِيبُنا على الْفوْرِ نقْدًا ،فأخْرجَ ذلك الرجلُ وثائقَهُ الشخصيةَ يُريدُ توثيقَ عمليةِ الِاستدانةِ ،فرفضَ قرِيبُنا قَائِلًا : خُذِ الْمَبلغَ وأصلِحْ بِهِ حالَكَ ،وإذا تيسّرَ لكَ رَدُّهُ إليَّ يومًا ما فلَكَ ذلكَ !

فعجبَ الرجلُ مِن سخاءِ قريبِنا ،وحُسْنِ خُلُقِهِ ،فودّعَهُ ومضى لحالِ سبيلِهِ ،

وما هي إلا فتْرةٌ وجيزةٌ حتى وقعَ انقلابٌ عسكريٌّ في ذلك البلدِ الإفريقيِّ الْجميلِ ،واتصلَ بعضُ المقربينَ من الرئيس الْمُنقَلَبِ عليهِ بِقريبِنا لِيطلبوا مِنْهُ الاِلْتحاقَ بهم فورًا في المطارِ ،وبأنه لا وقتَ إلا ما يَسْتَغْرِقُهُ وصولُهُ إليهم في المطارِ ،فوصل إليهم بلا شُنَطٍ أو مالٍ لِاحتمالِ إخضاعِهِ للتفتيشِ مع تلاحُقِ الأحداثِ وتسارُعِها ،فنزلتْ بهم الطائرةُ في عاصمةِ بلَدٍ مجاورٍ ،فاختارَ قريبُنا الِاستقلالَ عن حاشيةِ الرئيس اللاجِئِ ،وأقامَ في أحدِ الْفنادِقِ الْفخْمةِ لا يَمْلكُ من هذه الدنيا إلا ثيابَهُ التي تَسْتُرُهُ ،ولم يَكن قَدِ اسْتوْعبَ طبيعةَ الْمَوْقِفِ ،أوِ امْتَصَّ الصدْمَةَ بَعْدُ !ومع ذلك تَفهَّمَتْ إدارةُ الْفُندُقِ بِطريقةٍ ما وضْعيتَهُ وسمحوا له بالإقامةِ منْ غيرِ دفْعٍ مُّقدّمٍ ،لأيّامٍ فقطْ ،

وفي اليومِ الذي تنقضي فيه تلك الْمُهلةُ خرجَ إلى قاعةِ الِاسْتِقبالِ كسيرَ الْخاطرِ ،مَهِيضَ الْجَناحِ ،حَائرَ الْبالِ ،مُنتظرًا لحظاتِ ما قَبْلَ طَرْدِهِ مِنَ الْفندُقِ أوِ اعْتِقالِهِ لعدمِ التسديدِ ،وفيما هو غارقٌ في أَحزانِهِ إذا برجُلٍ أْجنبيٍّ يُنادِيهِ بِاسْمِهِ ،ويُقْبِلُ عليهِ ،ويحتضنُهُ ،فتَعرَّفَ عليهِ قريبُنا فإذا هو ذلك الرجلُ الذي استدانَ مِنْهُ ،قال له الرجلُ : هذا الْفندُقُ مِلْكِي ،والْتفتَ إلى مديرِ الْفندقِ الذي نزَلَ لِاستِقْبالِهِ قائلا له :هذا السيدُ – يعني قرِيبَنا – عامِلوهُ كأنه مالِكُ هذا الْفندقِ ،وأكْرموهُ بِلا حدودٍ ،وإذا احتاجَ أيّ شيءٍ وَفِّرُوهُ له على الْفَوْرِ بِلا تردُّدٍ !ثم غادرَ الْفندُقَ ،وكانَ قريبُنا ذلك بِحاجةٍ فقط لتوفيرِ اتصالاتٍ منتظِمةٍ مع الْجهاتِ الدوليةِ التي يتعاملُ معها في مجال تجارةِ الْماسِ ،وخلالَ أسابيعَ قليلةٍ حوّلَ جميعَ أنشطتةِ إلى ذلك البلدِ ،وأعادَ تكوينَ ثرْوتِهِ بسهولةٍ في وقتٍ وجيزٍ .


وذكرَ لِي ثِقةٌ أنَّ ابْنَ عَمٍّ له وهو تاجرٌ دوْليٌّ تَعرَّضَ هو وشبكةُ عُملائِهِ في البلدِ الذي يُقيمونَ فيهِ إلى حمْلةِ وِشاياتٍ أفضتْ بِهم إلى أن يودَعُوا في سِجْنٍ لا يودَعُ في غيَاهِبِهِ إلا المتهمونَ بِ" الْإرْهابِ " ،وملَفاتُ الْمُودعينَ فيه تُناقشُ عِشاءً بين كبيرِ جهازِ الْأمْنِ ورئيسِ الدولةِ شخْصيًّا ،

ولا سَبيلَ إلى النجاةِ لمن أودِعَهُ ،

وفي يوْمٍ من الأيامِ جاءَ أحدُ أقارِبِ مُدِيرِ السجْنِ للسلامِ عليه ،وجرى بينهم حديثٌ متشَعِّبٌ ،وفي نهايةِ الْمَجْلسِ نظرَ الزائرُ في الاِسمِ المكتوبِ على الملفِّ وجنسيةِ صاحبِهِ ، فصاحَ : كيفَ حدث هذا ؟ سأله مديرُ السجْنِ  :ماذا تَعْنِي ؟ قال له : هذا خيرُ رَجلٍ عرَفتُهُ ،أنا أَعملُ في محلٍّ من محلاتِهِ ،إنه يبذُلُ لنا الْمالَ بِسخاءٍ ،ولا يتركُنا في حاجةٍ إلى شيءٍ إلا وفَّرَهُ لنا رغْمَ أننا عمالٌ بسطاءُ ،وطلبَ من قريبِهِ مُدِيرِ السجْنِ السماحَ بزيارتهِ ،وقال له : أقسمتُ عليك بِما هو مقدّسٌ عندَكَ إلا ما سعيتَ في إطلاق سراحه هو وجميعِ أصحابِهِ ،وردِّ اعْتِبارِهم إليهمْ ،فعرَفَ مُدِيرُ السجْنِ أنه صادقٌ لأنه عليمٌ بحالهِ وكثيرا ما حدّثه من قبلُ عن ذلك الرجل السخيِّ ،فقال له سأحدثُ عنهُ المسؤولَ الكبيرَ وهو سيعرِفُ كيفَ يُقْنِعُ الرئيسَ ببراءتِهِ ، فأمَرَ الرئيسُ بإطلاقِ سراحِهِ وبردِّ الِاعتبارِ إليهِ ،فرَجَعَ إلى عملِهِ بكاملِ طاقمهِ من العمالِ والمُتعاملين !

ليست هناك تعليقات:

كلمة في حق الشهيد حَسَن نصرَ الله/ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ

 كلمةٌ في حقِّ الشهيد حَسَن نصرَ الله/إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ  رحم الله السيد حسن نصرَ الله فإنّ له مواقفَ هي محلُّ إجماعٍ من كلِّ ...