مَاذَا تَعْنِي عودةُ ترامب لِلمسلمينَ؟ /إبراهيم بن موسى بن الشيخ سِيدِيَ
مَرَّتْ سَنَواتٌ ازْدَحمَتْ فيها على ساحةِ الْحياةِ أَحداثٌ عظيمةٌ، كلُّ حدَثٍ منْها عظيمٌ وخَطِرٌ:
الحرْبُ في أوكرانيا، التأزّمُ الشديدُ لِلخلافِ الأمريكيِّ الصينيِّ حوْلَ تايوان وعلى امْتداداتِ الحدودِ الصينيةِ، والْوضْعُ بينَ الكوريتين، ثمّ طوفانُ الأقصَى، والضرباتُ العسكريةُ الِانتقاميةُ الْمتبادلةُ بينَ إيرانَ وإسراءيلَ، وانتِهاءُ حرْبِ الْيمَنِ بِظُهورٍ قويٍّ للحوثيينَ، وتطوُّرُ العلاقاتِ الخليجيةِ، وسيطرةُ سياسيينَ وعسكريين على الحكمِ في عددٍ من الدولِ الإفريقيةِ موالينَ لروسيا والصينِ،
يَعودُ ترامبْ إلى رئاسةِ أمريكا والعالمُ في تأزُّمٍ شديدٍ، والوضعُ في داخلِ أمريكا أشدُّ تَأزُّمًا، ومعَ أن رِئاسةَ أمريكا ذاتُ أهميةٍ عُلْيَا، إلا أنها تَتفاعلُ ضِمْنَ سُلطاتٍ أُخرَى تُساوِيها أو تزيدُ عليها في الأهميةِ وقوةِ السلطةِ والنفوذِ،
المسلمونَ يَتوجّهونَ إليك يا فخامةَ الرئيسِ دونالد ترامب بِالتهنئةِ بمناسبةِ فوزِكَ في انتخاباتِ الرئاسةِ الأمريكيةِ،
يَنتظِرُ مِنكَ الْمسلمونَ التدخُّلَ الْفوْرِيَّ لِإنْهاءِ حرْبِ الإبادةِ ضدَّ مُسلمِي فلسطينَ وجنوبِ لبنانَ والعراقِ والْيمَنِ، قبْلَ أن تَنتَفِضَ سائرُ الشعوبِ الإسلاميةِ مِن جاكرْتَا إلى داكارْ انتِفاضةَ الْغضَبِ الْعارمِ، وفي ذلك تهديدٌ عظيمٌ ليسَ لِمصالحكم فقط، وإنما – أيضا - لطبيعةِ وجودِكم في المنطقةِ وما حولها،
فَهِمَ الْمُسلمونَ مِن قولِكَ يا فخامةَ الرئيسِ بِأنك لن تُنشِئَ حروبًا جديدةً وَعْدًا منكَ بِإنهاءِ النزاعِ العربيِّ الإسرائيلِيِّ القائمِ منذُ أكثرَ مِن سبْعينَ سنةً حَمراءَ وسوْداءَ، فهذا النزاعُ المشْؤومُ النَّحْسُ يُمَثِّلُ عَدمُ إنْهائهِ بِالنسبةِ لأيِّ رئيسٍ أمريكيٍّ جديدٍ عمليةَ تَجْدِيدٍ له بَلْ عمليةَ إنشاءٍ لهُ، وإلا فأيْنَ يُمْكِنكم في مَنطِقتِنا إنشاءُ حرْبٍ جديدةٍ، وهي التي تكادُ تكونُ كلُّها بُؤرَ نِزاعاتٍ قابلةً للانفجارِ في أيِّ لحظةٍ!
الْمسلمونَ ينظرونَ بِريبةٍ وحَذرٍ شديدٍ إلى قوةِ الأفريكوم في ألمانيا، وإلى قواعدِكمُ العسكريةِ في المنطقةِ وأساطيلكم في المحيطاتِ مِنْ حولِهمْ، ويَعْتبرونَ ذلكَ مَسًّا شديدًا من أمْنِهم وكرامتِهم، وتهديدًا مباشرًا لوُجودِهم،
فينبغِي الْقيامُ بإجراءاتِ طَمْأنَةٍ تُهَدِّئُ النفوسَ وتُقُوِّي دعاماتِ الثقةِ،
إن الْمُسلمينَ مُسالِمونَ، دِينُهمُ الإسلامُ، تحيتُهم السلامُ، واللهُ جلّ جلالُهُ مِنْ أسْمائِهِ الْحُسْنَى السلامُ، ويَدْعونَ إلى دِينِهم بِالْحِكمةِ والْموْعظةِ الْحسنةِ، ويُجادِلونَ بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ، لِلهِ يَرْكَعونَ ولهُ يَسْجُدونَ وحْدَهُ، لَا لِغْيرِهِ، فلا تَلْتَفِتْ إلى كلامٍ آخرَ غيْرِ هذا قِيلَ عَنهمْ،
إن اهْتمامَ الْمُسلمينَ بِأمريكا لَيْسَ لِاعْتِقادِهم بِأنَّها آلهةٌ تُعبَدُ مِن دونِ اللهِ، فقَدْ خَوَّلَ اللهُ عزَّ وَجلَّ لسيدِنا الْمَسيحِ ابْنِ مرْيمَ عليهِما السلامُ إحْياءَ الْموْتَى بِإذْنِ اللهِ، وإن قُصَارَى مَا خوّلكمْ سُبحانَهُ هذه التقنياتُ التي لا تَعقِلُ ذاتَها ولا تعقِلُ وجودَها ولا تتمتّعُ بِالِاسْتِطاعةِ على مَعرفةِ ما حولها أو التصرُّفِ لِمَصلحتِها، وليس لها قُدرةٌ على النموِّ والتكاثرِ.. ثمَّ بيَّنَ اللهُ سبْحانَهُ وتعالى آدميةَ سيدِنا المسيحِ على نبيِّنا سيدِنا محمدٍ وعليهِ السلامُ بِقولِهِ جَلَّ شأنُهُ:
" مَا الْمَسيحُ ابْنُ مَرْيمَ إلَّا رسولٌ قدْ خَلَتْ مِن قبْلِهِ الرُّسُلُ وأمُّهُ صِدِّيقةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطعامَ"
وفي الإشارةِ كِفايةٌ،
فخامةَ الرئيسِ دونالد ترامبْ! لقد سالتْ دماءٌ إسلاميةٌ غزيرةٌ عزيزة كثيرةٌ عربيةٌ وأفغانيةٌ وبوسنيّةٌ وبُورْميّةٌ ومِن جنسياتٍ أُخْرَى، فاعْمَلْ على طَيِّ صفحةِ هذا الواقعِ الرهيبِ، وافْتَحْ صفحةَ إِخاءٍ ومحبّةٍ وتعاوُنٍ وتَبادُلٍ للمصالِحِ والْمَنافعِ يَسُدِ السلامُ الْعالَمَ أجْمعَ، وتتفتَّقِ الْأذْهانُ عنْ حلولٍ لألْغازِ الْحياةِ والْكوْنِ مِنْ حَوْلِنَا.